لطالما حلمت الصبية عزيزة أن تحمل القلم بين أصابعها، لكنها لم تحمل سوى عيدان الحطب ولم تكتب سوى خطواتها على الرمال الحارقة وهي تطارد أغنامها في الأودية والجبال..!
شغفت عزيزة منذ نعومة أظافرها بالاعتماد على النفس ، وكان لها من اسمها أوفر النصيب..
وسعت لتعلم حرفة تضمن لها الكسب الحلال في ظروف بالغة الصعوبة، حتى كلفها ذلك بيع شياهها الثلاث التي أهداها لها والدها لتشتري ماكينة خياطة تعلمت مبادئ الحياكة من إحدى نساء القرية..
تزوجت عزيزة وانتقلت من الجنوب للطائف ،ولكن ظروفها المعيشية لم تتغير كثيرا بسبب إعسار الزوج وديونه المتراكمة بالمقارنة براتبه المتواضع، وزادت حالتهما المادية سوء بإحالة الزوج للتقاعد مع وجود ست بنات وولد واحد، فانتقلت العائلة للرياض حيث عمل الزوجان في باص حكومي كسائق ومشرفة ثم عملا في مدرسة بنات ، وهنا عادت الأحلام القديمة تداعب خيال الشابة عزيزة ، فالحنين يشدها للقبض على القلم حتى وهي تتجه للثلاثين من العمر، ومنظر الطالبات والمعلمات والحصص والفصول تمطر رغبتها القديمة وتحييها من جديد.. ولكن محاولتها تتكسر مرة أخرى وتفشل في الالتحاق بمحو الأمية..
سنين طوال مرت قبل أن تعود إلى أبها، حيث كانت في موقف مصيري يتطلب منها أن تتصدى لمسؤولية ابنها خالد وأخواته الست بمفردها، حيث كان أكبرهم في الجامعة وأصغرهم في المتوسط ، ومهمتها أن تتولى مسؤولية التربية والإنفاق عليهم حتى يستكملوا دراستهم!
وكيف لها ذلك وهي المرأة الأمية المعدمة من كل شيء..
ولأن حلمها في التعلم لم يمت ، ولأنها تؤمن أن قافلة النجاح لابد أن تمر بمحطة العلم، ولأن تعلم القراءة والكتابة ظلت هاجسا يوقظ عزيمتها كلما تراخت أو خبت، فقد قررت أم خالد أن تبدأ رحلة الكفاح الجديدة من المدرسة حتى لو كان عمرها يخطو حثيثا - هذه المرة- نحو الأربعين !!
كانت سعادتها كبيرة لأنها تؤمن بدور العلم في خدمة العقل كما تؤمن بالسعي في جلب الرزق ، ولذا فقد بدأت مشروعها الأول الذي كان عبارة عن بيع خلطة قهوة خاصة بها، جربتها على المحيطين بها، ثم نجحت في تسويقها على نطاق واسع تدريجيا، وساعدها الضمان الاجتماعي في تطوير مهاراتها التسويقية من خلال الدورات التي التحقت بها لدرجة أنها قامت بعمل دراسة جدوى لمشروعها بناء على خبراتها التي اكتسبتها من الدورات ومن الحياة قبل ذلك..
نجحت خلطة أم خالد نجاحا باهرا إلى درجة أنها قدمت تنازلا عن حصتها في الضمان الاجتماعي خوف أن يكون هناك من هو أولى به منها، لاسيما وهي تتجح في سد حاجتها وحاجات أبنائها على صعيد متطلباتهم الحياتية والمدرسية ، حيث وفرت لهم النقل والأدوات والكمبيوتر والمصروف اليومي وجميع متطلبات الحياة الكريمة..
ولم يكن هذا النجاح بسبب ماتملكه من منطق جميل وشخصية جذابة وذكاء لافت ووعي عميق فقط، ولم تضرب شهرة قهوتها الآفاق بسبب بنها الجيزاني المميز أو زنجبيلها البارد أو هيلها الفواح فحسب، ولكن لأنها كانت تخلط قهوتها بعزة النفس وكرامة الإنسان، وتمزج خلطتها بقوة الإرادة وصلابة العزم، وسيرة الكفاح المبلل بقطرات العرق والصبر والأمل الحي والثقة اللامتناهية في كرم الله عز وجل..
لقد قرأت أم خالد بعينيها وثائق تخرج أولادها جميعا من أرقى الجامعات كما كانت تتمنى ، فودعت الفقر والجهل والأمية والأيام الصعبة ، دون أن تمد يدها لأحد، وشهدت حصول ابنها وبناتها على أعلى المراتب العلمية وأفضل الوظائف المرموقة، وأصبح اسمها يملأ وسائل التواصل حيث يتابعها عشرات الآلاف من المعجبين برحلة كفاحها الفريدة، وتسابقت القنوات الرسمية والخاصة للظفر بدقائق من وقتها الثمين حيث أعطتنا دروس من الحكمة الخالصة في الأصالة والانتماء للأرض والتمسك بالموروث والاعتماد على النفس والاستفادة من جميع القدرات التي منحها الله لها، مع السعي لاستكمال ماتحتاجه من مهارات لتقديم نفسها والتكسب من مواهبها، مواصلة صعودها للقمة ورائحة المزارع تملأ روحها بالنشوة ، وصوت أغنامها يتردد صداها في ذاكرتها البعيدة.!
- 2024/11/14 في يوم “داء الحلو” .. شاولي : الجلد يتأثر بمرض السكري وهذه أبرز النصائح للجميع
- 2024/11/14 تًُوقيعَّ اتفاقيّة لدعم وتمكين مستفيدي فرع وزارة الموارد البشريّة بمنطقة مكة
- 2024/11/13 جامعة الأعمال تحتفل باليوم الرياضي للأتحاد السعودي للرياضة الجامعيّة
- 2024/11/13 كفى توعّي 600 زائر بمدينة الملك عبدالعزيز الطبيّة
- 2024/11/12 جمعيّة شباب حلي تكرم صحيفة ” حباشة ” لتغطيتها الحفل الختامي للبرامج والأنشطة
- 2024/11/12 الاتحاد العالمي الإسلامي للكشافة والشباب ينشيء مركزه الإعلامي تترأسه الطيب
- 2024/11/12 مجموعة متنوعة من ورش العمل والمحاضرات في معرض الرياض الدولي للمنسوجات في نسختة الثانيّة في المملكة
- 2024/11/12 عبدالله بن خلوفه المنتشري في ذمة الله
- 2024/11/12 جمعية كرم و جمعية قيم الهدى يقيمان حفل “حكيها”
- 2024/11/10 المركز الوطني يعتمد تأسيس جمعيّة ” ارتقاء ” للخدمات الصحيّة بمحافظة أضم
المقالات > قهوة أم خالد:
فاطمة السهيمي
قهوة أم خالد:
وصلة دائمة لهذا المحتوى : https://hobasha.com/articles/229931/
التعليقات 2
2 pings
montjatna
2022/02/11 في 2:29 م[3] رابط التعليق
تستاهل كل خير، بنت البلد تحتاج للدعم والمساندة.
يا رب وفق كل من طلب الرزق الحلال ووسع عليه.
(0)
(1)
راجح محمد راجح
2022/02/13 في 2:38 م[3] رابط التعليق
ابدعت استاذه فاطمة في سرد بطلة المقالة أبرزت قصة الكفاح والنجاح الأستاذة العزيزة عزيز وان كان نجاح عزيز تعدى عزيزة نفسها حيث أصبحت رمزا للكفاح وحارسة للموروث الشعبي وراوية لأجمل قصائد رواد ومؤسسي شعر الدمة والخطوة لا أدري هل سبب جمال المقال مفردة وأسلوب فاطمة السهيمي الذي لا يختلف عليه اثنين تميز وتفرد بطلة المقالة عزيزة المغيدي لكن الواقع يقول شكرا من الأعماق لفاطمة وعزيزة .
(0)
(1)