كان يوماً ما حكماً يحمل في عنقه صافرة الأمانة، فتارةً نراها سوداء وتارةً زاهيةً بألوان الطيف، ومثله مثل أي حكم بالعالم يخطئ ويصيب، وتتوافق قراراته مع القانون، وبعضها يخضع للاجتهادات التي لا تخلو من الأخطاء البشرية.
وطبعاً كان يتعاطى معه الجمهور كأي حكم محلي، فيصفه البعض بالعادل وآخرون بالظالم وفقاً لنظرية (المستفيد والمتضرر)، إذ كنا وقتها لا نعرف ميول الإعلاميين الذين يتصدرون الصحف، فضلاً أن نعرف ميول حكم.
بعد سنوات من الإبداع والإخفاق التي تعتبر سمة من سمات أي عمل فيه اجتهادات، اعتزل الرجل ساحة التحكيم تاركاً وراءه إرثاً ثقيلاً ووجبة دسمة للإعلام، بقيت حبيسة الكاميرات وغرف المونتاج إلى أن انفتح الإعلام الرياضي على مطرف وغيره، فبانت حينها الأخطاء وبدأ الكل يقيّم وفق المعطيات لأخطاء تقديرية وأخرى متعمدة ـ من وجهة نظر البعض ـ سواءً للحكام أو غيرهم.
وهنا ما زالت الأمور طبيعية، إذ صارت الأخطاء تحت مجهر إعلامي ملتهب، لكن من غير الطبيعي عندما يظهر أحد العاملين في صدر رياضتنا ـ في تلك الحقبة التي كنا نراها متزنة وبريئة ـ ويعلن ميوله جهاراً نهاراً ولا يكتفي بذلك، وإنما يتعصّب وينافح ويدافع، ويستميت لميوله عشقاً ولأضداده كرهاً وحقداً في وسائل الإعلام، سواءً كان حكماً أو مسؤولاً بلجنة كان يؤدي عملاً يتقاضى عليه أجرة مقابل العدالة.
هنا لا نتكلم عن مطرف الحكم السعودي (نصراوي الميول)، وإنما عن كل شخص تولى مهمة وطنية رياضية تخدم الجميع، فنرى أن عليه الابتعاد بعد الاستقالة أو الإقالة عن كل ما يشعر المشجع البسيط ـ الذي كان يدفع أجرة المواصلات وتذاكر المدرجات ـ بالغبن حين يستعيد ذكريات حزن على مباراة يرى أن نقاطها سلبت أو بطولة جيّرت لمنافس، بسبب أخطاء تحكيمية أو قرارات إدارية من المكاتب، قد لا تكون متعمدة، لكنها شئنا أم أبينا قد توحي لهذا المشجع الذي قامت رياضة أنديتنا على (هتافاته وريالاته ومتابعاته) بشيء من الشكوك التي تستدعي معها ضغوطات وهمزات ولمزات وهواجس سوداء كنا في غنى عنها لو كان من يخرج من مناصب الرياضة يركن في بيته أو استراحته دون أن يتعمد البحث عن الوهج من جديد، من خلال كشف ميوله لزيادة متابعيه على حساب تاريخه الذي هو جزء من تاريخ رياضة بلد بأكمله.
ختاماً أنا لم ولن أدخل في نوايا كل حكم أو مسؤول جاهر بميوله بعد الاعتزال فهذا شأنه، والله وحده من يعلم هل تأثرت قراراته يوماً بميوله أم لا؟ لكنني هنا، أناشد فقط كل من يفارق المنصب أن يفارق معه الإعلام، حتى لا يسيء لنفسه ولا للمنظومة التي كان يعمل بها، وإن كان يرى بأن لابد من بقاء حضور اسمه ورسمه في دائرة الأضواء، ولديه ما يقدمه لنا، فعليه أن يتوخى إعلان الميول والتعصب له.
توقيعي/
للشهرة ضوء يحرق الأجساد الضعيفة!