تزوجتْ وأنجبتْ وأصبحتْ على مشارف الثلاثين،ولازالت تؤلمها ساعات الصباح الأولى ويؤذي روحها منبه الباص عندما تسمعه في أي زمان ومكان..
إنها فتاة العرضيات،التي يجب عليها لكي تحصل على حقها الطبيعي في التعليم الجامعي فعليها أن تقدم الكثير من التضحيات وتتنازل عن كثير من الحقوق، حيث تحرم الطالبة حقها الطبيعي في النوم والراحة واللقاء بأهلها وأسرتها وممارسة هواياتها وحقها الطبيعي في الحياة..
حيث تستيقظ قبل بزوغ الفجر حتى لا يفوتها الباص، وتستعد لرحلة يومية شاقة للمخواة عبر طريق مزدوج ضيق وعر يموج بالمخاطر في باص ثقيل يئن بما يحمل من أجساد طرية مرهقة ينتظرها نهار طويل من أيام تهامة المشمسة الحارقة..
وعندما تعود لمنزلها قرب العصر تكون طاقتها والنفسية والجسدية قد استهلكت تماما،بعد مايقارب من ١٢ ساعة من الكفاح المتواصل ( الساعة في تهامة معظم أيام السنة ليست مجرد ٦٠ دقيقة)..
فتذهب في نوم طويل ولكنه متقطع ومتعب،تمزقه الكوابيس وذكريات الطريق العامر بالمخاطر،وصوت منبه الباص الذي يحذرك من خطورة الاستغراق في النوم، بالإضافة لمشاكل الدوام الجامعي المعتادة. .
لكل هذا فتاة العرضيات هي الوحيدة ربما التي لم تتلذذ بجمال المرحلة الجامعية بكل مافيها حياة وجمال وانطلاق، هي لا تتذكر منها سوى صوت الباص المزعج وأمواج الطريق وهي تتحول لسراب في قيظ تهامة..هي لا تتذكر سوى غربتها المقنّعة، فهي تعود لمنزلها لكن لا تلتقي بأهلها سوى في الإجازات،وعلى الجانب الآخر ترى أنها أفضل حالا من صديقتها المغتربة في القنفذة أو الباحة بعيدا عن حنان الوالدين ودفء الأسرة في هذا العمر الذي تتوق فيه الفتاة للحب والألفة والأمان العاطفي الأسري ..
سؤالي الذي لا أعلم لمن أوجهه :
لماذا على بنات العرضية أن يعشن هذه التجربة المرة البغيضة في هذا العمر الغض؟
ولماذا تتحول المرحلة الجامعية التي هي الأجمل في حياة أي شابة إلى ذكرى مؤلمة تجرح وجدان فتاة العرضية وتحيله إلى غصة كبيرة..
عن نفسي أفضل أن تتخلى ابنتي عن تعليمها الجامعي على أن تتعرض يوميا لهذا الشقاء الكفيل بإحالة روحها النضرة إلى خراب…!!