من المقرر في الشريعة الإسلامية أن علاقة المسلمين بغيرهم هي علاقة دعوة بالدرجة الأولى وهي الخصيصة التي امتدحت به هذه الأمة عن سائر الأمم ( كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر ) كما أن هذه الأمة منتدبة أن تكافح الظلم أينما كان على وجه الأرض ، لا لتملك الأرض وتذل الرقاب بل لتخرج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد وأظلم الظلم في هذا هو تعبيد العباد لغير الله فهي مسؤولة أن تحمل معها قيم المساواة والعدل والكرامة لكل كائن بشري ـ هذه هي رسالتها ـ ، ولذلك واجه الإسلام قوى الظلم بواحدة من ثلاث إما الإسلام بوصفه الصورة الأخيرة لدين الله الخالد أو الجزية للدلالة على الكف عن المقاومة وتحقيق حرية الدعوة أو القتال كونه الخيار الأخير بعد الإصرار والعناد ومع ذلك فهي ليست حربا تديرها رؤوس الأموال المجرمة لتربح صناعتها إنما هي حرب لتحرير البشر من ظلم البشر وبعد ذلك تترك للفرد في البلدان المحررة .. الحرية بالإستمتاع بما يحمله الإسلام من نور وعدل وسلام أو البقاء على دياناتهم وحفظ كرامتهم مع تفعيل الدعوة بالتوقف عند أمر الله لنبيه : (وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر إنا أعتدنا للظالمين نارا أحاط بهم سرادقها ) .
ولذلك نجد أن النصرانية واليهودية بقيت في بلاد المسلمين إلى اليوم ، بينما لم يبق من الإسلام واليهودية شيء بعد سقوط الأندلس ، وهنا الفارق لمن يتساءل عن الهدف من حروب الطلب والفتوحات [حروب تحرير .. يقابلها حروب إبادة ]!!
وقد أصبح من بدهيات هذا العصر أننا نعيش في عالم تشابكت فيه مصالح الأمم ، فلم يعد لواحدة منها أن تنفرد مهما بلغت من القوة ، ونرى كيف أن دولا كبرى تفاوض لئلا يقع عليها عقوبات إقتصادية أو حصار دولي ، ولذلك يلزمنا الإستجابة لذلك من واقع المعاصرة وتطويع أخلاقنا لتوجيهات الله في كتابه من الأصالة فكما أنها ضرورة حياتية كذلك هي توجيهات ربانية بحمل هم الدعوة وجعلها الدافع والمحرك للخلطة بالآخر- كل الآخر – شرقا وغربا لنشر سماحة هذا الدين العظيم .
ومع ما سلف ذكره إلا أن الكثير منا يخطىء حينما يجتزئ الآيات من سياقها .. أو يؤمن ببعض الكتاب ويغفل عن بعضه يحمله على ذلك طبعه وأخلاقه أو بيئته ومجتمعه ؛ ففي خضم ما نرى من مصداق قول الله تعالى : ( ولا يزالون مختلفين ) من الحروب والنزاعات التي تطالعنا به وسائل الإعلام المختلفة ، تجد من يستدل بقول الله تعالى : ( ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم ) ليجعلها واقعا على كل فرد من النصارى إيمانا بالمؤامرة الكونية على هذا الدين ، مع أن القرآن نفسه يدلنا على خطأ هذا الفهم فبعض النصارى كما يقول ربنا : ( وإذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول ترى أعينهم تفيض من الدمع مما عرفوا من الحق ) ، وآخرون ( ومن أهل الكتاب من إن تأمنه بقنطار يؤده إليك ومنهم من إن تأمنه بدينار لا يؤده إليك إلا مادمت عليه قائما ) .
انظر وتأمل للعدل الرباني ، وقارن بينه وبين ما نراه ونقرأه من حولنا ؟!
كما أن هناك الآلاف اليوم ممن ينتسبون إلى النصرانية في أمريكا وغيرها لكنهم لا يؤمنون بأن عيسى ابن الله وآخرون هم أقرب ما يكونون للديانة الصحيحة ، فجعل الناس في سلة واحدة دون فهم أن المرء إنما يولد على الفطرة وأن الشر طارئ يتلبسه يفقدنا القبول عند الآخر ، والمعاملة المنصفة هي دائما في مصلحتنا ومصلحة قضايانا ، وعلينا أن نستثمر في الناس صفاتهم الحسنة ونجازيهم عليها بالإحسان ، ( ولايجرمنكم شنئان قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى ) .