أنَّى اتَّجهتَ في وطننا تجد لكلِّ جهة مُنتجًا تمتازُ به، ويغدُو دليلًا عليها، ومصدرَ دخلٍ واعتزاز لمواطنيها؛ فإنْ اتَّجهتَ شمالًا تجد الزيتون ونتاجه الوافر الطيِّب، وإنْ اتَّجهتَ شرقًا تجد الرزَّ الحساويَّ الطبيعيَّ، وإنْ اتَّجهتَ إلى وسط المملكة -وتحديدًا منطقة القصيم- تجد التمور عالية الجودة، وإنْ اتَّجهتَ إلى السَّواحل الجنوبيَّة الغربيَّة -وتحديدًا جازان والقنفذة- تجد المانجو ذات الطعم الفارق وغيرها من مناطق المملكة التي تمتاز بنوع معيَّن من الإنتاج الزراعيِّ والحيوانيِّ وغيرها. لكنَّنا حينما نتَّجه إلى جنوب غرب المملكة؛ وتحديدًا إلى مناطق (عسير والباحة وجازان -خاصَّة الجبليَّة منها- ونجران ومحافظة العُرضيات جنوب منطقة مكَّة المكرَّمة)، فإنَّ أشهر ما نجده في هذه المساحة الجغرافيَّة هو عسل النحل، الذي يأتي بكميَّات وافرة وبألوان ومشارب متنوِّعة.
لعل مما ساهم في انتعاش تربية النحل وإنتاج العسل في هذه المساحة الجغرافية، هو طبيعتها الجغرافية التي تتنوع بين التهائم بوديانها وجداولها وأشجارها -وخاصة السدر والسمر والضهيان- والسروات بأشجارها المثمرة ونباتاتها المزهرة، يضاف إلى ذلك كثرة الأمطار وتنوع النباتات وتنوع الأجواء، وغيرها من العوامل.
في هذا الصدد أذكر أنَّني كتبتُ هنا قبل (١٢) عامًا، وتحديدًا يوم (٩/ ٧/ ١٤٣٣هـ) مقالًا عن عسل الجنوب بعنوان: (عسل الجنوب.. يستحق أكثر) بيَّنت فيه أهميَّة عسل الجنوب، وضرورة استثماره، وضرورة تجويد إنتاجه؛ وضرورة تسليط الأضواء عليه؛ كونه لا يقلُّ عن المنتوجات الأُخْرَى التي تحظى باهتمامٍ رسميٍّ وشعبيٍّ كبيرٍ، وهي التي لا تصل لقيمة العسل وأهميته.
في العام التالي (١٤٣٤هـ) قامت جمعيَّة التَّنمية الاجتماعيَّة بالعرضيَّة الجنوبيَّة بمحافظة العرضيَّات، برئاسة رئيسها الأستاذ علي محمد الحارثي، بتنظيم مهرجان العسل الأوَّل في محافظة العرضيَّات تحت شعار (العسل الأصلي في موطنِهِ الأصليِّ)، واستمرَّ المهرجان يُقام سنويًّا لمدة ثمانية أعوام متتالية، وأخذ حيِّزًا كبيرًا من النَّجاح والاهتمام والأضواء بفضل جهود اللجنة الإعلاميَّة للمهرجان، بقيادة الإعلاميِّ الأستاذ محمد أحمد القرني، ثمَّ توقَّف منذ جائحة كورونا.
مساء الأحد المقبل -بإذن الله- سيكون موعدًا لانطلاق مهرجان العسل في العرضيَّات مجدَّدًا في نسخته التَّاسعة، برعاية محافظ العرضيَّات الأستاذ علي بن يوسف تحت شعار: (العسل الطبيعي في موطنهِ الأصليِّ)، الذي ينظِّمه مكتب وزارة البيئة والمياه والزراعة بمحافظة العرضيَّات، ويشرف عليه رئيس المكتب الأستاذ أحمد محمد الفقيه، ويستمرُّ لمدة خمسة أيَّام في مقر المركز الحضاري ببلدية العرضية الشماليَّة؛ التي قدَّمت خدماتها للمهرجان بتوجيه من رئيسها المهندس عباس البركاتي.
الكميَّات المعروضة ستكون وافرة، ولا أظنُّها إلَّا ستخضع للفحص والفرز من قبل القائمين على المهرجان، وقد ذكر لي الدكتور علي سلطان السهيمي -رئيس جمعية التَّنمية بالعرضيَّة الشماليَّة، رئيس اللجنة المنظمة للمهرجان- أنَّ عدد خلايا النحل البلدي بلغت (٣٢٥٠٢) خليَّة، وبلغ ما تنتجه من العسل (١٣٠) طنًّا، كما بلغ عدد الخلايا الحديثة (٢١٥٢٦) خليةً، وبلغ ما تنتجه منَ العسل (٨٦) طنًّا، وبالتالي بلغ الإنتاج الإجمالي للعسل في المحافظة (٢١٦) طنًّا، وهذا الإنتاج يقوم عليه ويعتني به عدد من نحَّالي المحافظة، بلغ عدد المسجَّلِين منهم (١٨٠٠) نحَّالٍ. دعواتنا للمهرجان والقائمين عليه بالنجاح وللنَّحالين بالربح الوافر، ثم إنَّني أهمسُ في آذانهم -أي النَّحالين أيًّا كانوا- فأقول:
طُوبَى لكُم أيُّها السَّاعُونَ ما حَصَدَتْ
أَكُفُّكُمْ مِن غِلالِ الشَّهْدِ فادَّكِرُوا
وجَوِّدُوا كَي تَنالُوا الرِّزْقَ أطْيَبَهُ
وكي تَحُوزُوا رِضًا.. نِعْمَ الرِّضَا الأَثَرُ
فالمَرْءُ ما المَرْءُ إلا بَصْمةٌ رَسَخَتْ
في الخالِدِينَ.. وذِكْرٌ في الوَرَى عَطِرُ