أرى أن الكتابة عنه باتت في حكم الوجوب الذي لا فضل لأقلامنا فيه، ومن لديه منبر يمكنه التحدث من خلاله، فمن محرمات المهنة تجاهل اسمه ورسمه، ومكانه ومكانته التي لم ينصفه فيها إلا قلوب الناس باختلاف ميولهم، مع احترامي لإعلامنا المتعصّب أكثره، فهذا ليس مجرد رمز ونطلق عليه لقباً و ننصرف، وإنما هو من تنحني الألقاب أمام اسمه، فنعجز وتعجز حروفنا عن استكمال وصفه وصفاته، فمن يمتلكوا بين حدود مملكتهم رياضي بحجم موهبته ـ فقسماً ـ لن يلومهم أحد إن كتبوا فيه المجلدات، و أسموا ملاعبهم بحروفه الأربعة، و أكاديميات و شوارع رئيسة، ليست خسارة أن تتزيّن باسمه ورسمه، فهكذا بكل أنحاء العالم، يتعاملون مع الأساطير وهم مازالوا أحياءً بينهم، ليشعروهم بوفاءٍ يرد بعض الجميل لهم، وتشريفهم أمام أهلهم و ذويهم، وهم في عز وعيهم، ليسعدوا أكثر بمجدهم وتأريخهم الذي سطروه بجهدهم و وقتهم وصحتهم، فالتكريم ليس ـ كما يعتاد فعله ـ بعد الموت، من تخصيص مقالٍ واحدٍ في زاوية أسبوعية، أو ساعة من برنامج يومي لاسترجاع ذكريات راحل، كقبلة على جبين ميت لا يشعر بها.
مارادونا وله ما له، وعليه ما عليه منذ عام 86 م على الأقل، وهو يعيش في الأرجنتين أسطورة زمانه، بمكانة مستحقة كتبها وسطرها له إعلام التانجو و رياضيوهم حتى بات أسطورة العالم بأكمله، وكان الحال مشابها مع بيليه و إعلام السامبا الذي جعل العالم يثبّت صورة ذلك الأسمراني الجميل جنباً إلى جنب مع دييقو حتى صار ديربياً عالمياً بينهما فاق في أوقات كثيرة كلاسيكو أمريكا اللاتينية بين منتخبيهما.
وما يحدث لميسي الآن ليس ببعيد عن صاحبَيه الراحلَين، ولربما كرستيانو و نيمار على بعضٍ من تلك الخطوات نحو مكانة قد لا تصل لربع مايستحقه موهبتنا السعودية و أسطورتنا العربية التي وللأسف لم يمنحه إعلامنا و رياضتنا مكانه ومكانته التي يستحقها بواقع ما كتبه و رسمه و سطره في ميادين كرة القدم من فنونٍ وصل في متعتها حد الجنون، ومازالت مكتبات التلفزيون واليوتيوب وسجلات المؤرخين المنصفين تحفظ له بعضاً مما يكفي لمشاهدته والاستمتاع به ليتم منحه القمة لتنحني إليه بدلاً من أن ندفعه لها وكأننا في حلبة مجاملة، يصور المتعصبون صراعاتها لأجل من يحبون، وكأن هناك وجهاً للمقارنة بينه وبين أحدٍ سوا (ديقو و ليونيل).
لن أخاطب نادٍ معين أو جهة محددة وإنما لكل من يعنيه كتابة التأريخ من جديد، وحب الوطن المجيد، والمهتمين برموز الموهبة، التي لا يختلف عليها اثنان، فإن تسمية ملعب كرة قدم، أو شارع رئيس، بل حتى تخصيص يوم رياضي كل عام يحمل اسم (يوسف الثنيان) أراه واجباً مستحقاً تأخر الإعلام كثيراً في المطالبة به، ليس لدعم أسطورة آسيا فقط، وإنما حتى للفت انتباه العالم ـ الذي بتنا قبلته الرياضية ـ أننا منبع لكرة القدم وفنونها وسحرها وجنونها، ولسنا مجرد بيئة احترافية جاذبة كما اعترفت بذلك أوروبا بعدتها و عتادها.
..
توقيعي/
مؤلم حينما ندرك متأخرين، أن النقطة التي كنا نخشاها، ونتحاشاها، هي بمثابة السطر الأول، الذي سيكتب لنا الحياة من جديد، بثوبٍ أبيضٍ أنيق.