في سلسلة إجراءاتها الأخيرة، عمدت وزارة التعليم إلى ضم بعض مدارسها لبعض؛ بحجة قلة أعداد الطلاب والطالبات فيها، وتوفير بيئة تعليمية مناسبة وتقليل الهدر التعليمي. هذا الإجراء مع كم الفوائد المترتبة عليه، إلا أنه لا يخلو -كغيره- من وجود مشكلات قد تظهر بعد تطبيقه، وهذا يجرُّنا لما يسمى (المشكلة البحثية)، التي يأتي لها الباحث بحلول افتراضية ثم يكتشف بعد ذلك أن مشكلةً ما تولَّدت نتيجة هذه الحلول، ما يجعله هو -أو غيره- يبحث عن حلول جديدة للمشكلة الجديدة.
بالعودة لموضوع المقال، فإن ضم المدارس بعضها لبعض أدى لجعل بعض مباني المدارس -وأعني هنا المباني الحكومية لا المستأجَرة- مبانيَ خالية لا حياة فيها، مع أن بعضها حديثة الإنشاء وذات أدوار متعددة ولم يمضِ من عمرها الافتراضي إلا سنوات معدودة.
القضية هنا ليست قضية تفريغ هذه المباني من طلابها، فتلك إجراءات ارتأتها الوزارة، لكنَّ القضية هي في كيفية الاستفادة من هذه المباني الجيدة والجديدة، وعلى سبيل المثال، ففي محيطي القريب جدًّا توجد خمس مدارس مبانيها حكومية -منها اثنتان ذواتا أدوار متعددة- أصبحت بعد إجراءات الدمج والضم خالية ولم تتم الاستفادة منها حتى الآن، وأنا هنا لا أستبق الأحداث؛ فربما أن لدى الوزارة خطة للاستفادة من هذه المدارس، لكنني أطرح السؤال في محاولة للمشاركة بإيجاد حلول لهذه المباني، التي أرجو ألا تبقى خاوية على عروشها، وأن تتم الاستفادة منها قبل أن تصبح خرابًا ثم يكون مصيرها الهدم والإزالة.
المباني المدرسية التي أصبحت دون طلاب كثيرة، بعضها متوارٍ في بطون الأودية وجنبات الجبال، خصوصًا في القرى والأرياف والهجر، وبعضها ظاهر للعيان يراها الناس في غدوِّهم ورواحهم، وخاصة في المدن، حتى أصبح بعضها مطمعًا للعابثين، هذه المباني لم تُنشأ اعتباطًا؛ وإنما تساوقًا مع النهضة التعليمية المتنامية التي شهدتها بلادنا قبل فترة، وتساوقًا مع الأعداد المتزايدة للطلاب والطالبات، غير أنه يبدو أن الزيادة في أعدادهم وصلت لحدها الأعلى ثم بدأت أخيرًا في الانحدار، وخاصة في المحافظات والقرى الطرفية، وربما كان السبب المباشر في ذلك هو هجرة الأهالي للمدن التي تتوفر فيها الجامعات والكليات، وتأتي محافظة العُرْضِيَّات شاهدةً على ذلك، والسؤال الذي يرتسم الآن هو: ما الحلول التي تُمكِّن الوزارة من استغلال هذه المباني؟ من الحلول، أن تجعل الوزارة من هذه المباني مقرات لبعض مكاتب التعليم وبعض الأقسام الإدارية، أو تجعلها مستودعات لإدارات التعليم ومكاتبها. من الحلول أن تؤجر الوزارة هذه المباني لجهات وزارية، أو تنتقل ملكيَّتها لتلك الجهات بطريقة تضمن حق الطرفين. من الحلول أن يتم تأجير تلك المباني لبعض الشركات والأفراد بحيث تكون مقرّا لعمال الشركات أو مستودعات وخاصة في المدن. من الحلول أن تعرض الوزارة تلك المباني للبيع لمَن أرادها من المواطنين وخصوصًا في القرى، حيث تُجاور بعضُ المدارس منازل المواطنين وهو ما يغري المواطن بشرائها ومن ثم يتصرف فيها كما يشاء، إما بإبقاء المبنى أو إزالته والاستفادة من مساحة الأرض. من الحلول أن تعيد الوزارة النظر في عملية إفراغ بعض مدارس الأحياء في المدن.
أخيرًا بإمكان الوزارة تقديم تلك المباني لبعض الجهات الخيرية مع احتفاظها بملكيتها.