“أنت فاشل وستبقى طول عمرك فاشل”
قالها الدكتور غاضبا لطالب الحقوق حمد الذي ظل يترنح تحت تأثيرها لدقائق ، ثم لساعات، ثم لشهور..
حمد حينها كان في المستوى الأخير ، وكان يمني النفس أن يدخل على والدته “ جواهر “ حاملا وثيقة التخرج..لكنه للحظات شعر أن تلك العبارة أطفأت سراج روحه وتركت في أعماقه عتمة لايعرف كيف يخرج منها..!
لم تنجح جميع محاولات والديه لإعادته للجامعة ليستكمل مابقي من المستوى الأخير، أقفل باب غرفته عليه لعدة أشهر وتدثر بالظلام مرتين..
وكان يمكن أن يتدثر به للأبد، لولا ذلك المصباح الذي ظل يضئ تارة من قريب وتارة من بعيد، يدعوه للنهوض من جديد مادام في العمر متسع..
أربعة أشهر وحمد منغلق على نفسه ووالديه يحاولان إعادته للحياة من جديد، وعندما يتعب الجميع تعود جواهر لتضيء مصباحها في زوايا روحه مرة بعد مرة..
منحته كل الخيارات واستبعدت العودة للدراسة الجامعية خوفا من إعادته لبحر العتمة مجددا..
إلى أن جاءت اللحظة التي نهض فيها حمد على قدميه ونظر في عيني والدته وهو يقول:
أعدك بأن أبدأ من جديد ، أعدك - يا أم حمد- أن أحضر لك الوثيقة..!
خرج حمد من غرفته وتوجه لغرفة والده الشيخ فهد ليسأله ماهو التخصص الذي يقترحه عليه لإنه يود مواصلة دراسته الجامعية فرد عليه فورا : التسويق..وأضاف مازحا : لأنه يناسب لسانك الطويل..!
لكن حمد لم يكن يمزح، ألتحق بالجامعة نهارا وبدأ في ممارسة العمل مساء فجرب كل شئ:
عمل بائعا في البقالة ثم موظفا للرد على الاتصالات في إحدى الشركات ثم كاتبا ومراسلا في دائرة حكومية، وفي كل مرة يضيف لخبرته ويتعلم شيئا جديدا..
ذات يوم دخل حمد على ملهمته جواهر حاملا وثيقة التخرج التي وعدها بها قبل أربع سنوات..وكأنه يخبرها أن كلماتها التي سكبتها في قلبه قبل سمعه قد آتت أكلها، وأن مصباحها الذي بدد عتمة روحه في لياليه الحالكة لازال يمده بالقوة والنور..
انطلق حمد إلى عالمه الجديد الذي أختاره له والده (عالم التسويق)، وظفر بمنصب مدير تنفيذي في شركة ناشئة لكن الفتى عاد ليواجه الأزمات من جديد وكانت مادية هذه المرة، فقد
واصل الشاب المتوقد تجاربه وحصل على وظيفة مدير تنفيذي في شركة ناشئة ، لكن نقص الخبرة خذلته فخسر ٢٠٠ الف ريال لأنه لم يوثق حقه بأوراق رسمية مثبتة، وكان ذلك كاف ليغادر هذا المكان باحثا عن عمل جديد..
استفاد حمد من تجاربه السابقة واتخذ له مسارا جديدا وعاد ليضع أقدامه على الطريق بثيات أكبر، حتى أصبح يشغل منصبا وظيفيا كبيرا في شركة مرموقة ..
لكنه لم يكتفِ بذلك فقرر أن يبدأ بعدها مشاريعه الخاصة إلى أن أصبح اليوم شريك ومؤسس لعدد من المشاريع ..
والأهم من ذلك هو أن الشاب الملهم “حمد فهد” يقود اليوم حوالي ٣٣٥٠٠ شاب وشابة على مواقع التواصل الاجتماعي يعلمهم فن التسويق الإبداعي الذي أصبح خبيرا ومتخصصا فيه..بعد أن علمهم كيف يمكن لشاب محطم أن يتماسك، وكيف صنع من عبارة (أنت فاشل ) زورقا عبر به أمواج اليأس إلى شواطئ الإنجاز حيث كانت والدته العظيمة جواهر تقف دائما بانتظار جوهرتها الفريدة..!!