دوقة بلدة قديمة مشهورة ترجع شهرتها إلى العصر الجاهلي، تقع على ساحل البحر الأحمر، عند مصب وادي دوقة، وهو من أكبر أودية تهامة، وقد تناولتها المصادر فمن ذلك: ما ذكره الهمداني في كتابه: صفة جزيرة العرب 1/188 عندما سرد بعض المواقع من السراة والبلاد التهامية والتي تدل على قدمها كقوله في المواقع التهامية الشمالية :
فقنونا فأرض دوقة فعشم السرين فالسّراء
وفي موضع أخر جعلها على محجة صنعاء القديمة بين قنونا جنوباً والسرّين شمالاً بقوله : من صنعاء صليت من البون، ثم المربد، ثم أسفل العرقة وأخرف، ثم الصرجة، ثم رأس الشقيقة، ثم حرض، ثم الخصوف من بلد حكم, ثم الجوينية من قنونا وتسمى القناة، ثم دوقة وهي للعبديين من بقايا جرهم، ثم إلى السرين ويذكر الهمداني بيتين من الشعر لزهير الغامدي وهما:
أعاذل منا المُصلتون خلالهم كأنّا وإيّاهم بدوقة لاعب
وذكر ياقوت الحموي في معجم البلدان ج 2 /485 «دوقة بأرض اليمن لغامد وذلك إشارة إلى واقعة دوقة ويسمى: يوم دوقة إشارة للحرب بين غامد وبن الحجر بن الهنو أيام الجاهلية.
وأورد قول نصر : دوقة وادٍ على طريق الحاج من صنعاء إذا سلكوا تهامة ، بينه وبين يلملم ثلاثة أيام ، وللشاعر الجاهلي ابوالجياش الأزدي شعر ذكر فيه أسماء بلاد العرب والأودية التهامية والسروية المعروفة والمشهورة المذكورة وأورد دوقة في شعره، يقول:
ربّ ما خاب من دعك ولا يح ... جب يا ذا الجلال عنك الدّعاء
لم يخب للنّبيّ يعقوب ياذا ... العرش فيما دعا لديك الرّجاء
رب أنت الــــذي رددت عليه ... بصراً كــــــــان قد محاه البكاء
إلى أن قال :
فقنونا فأرض دوقة فالليث ... فعشم السرين فالسرائر
وللشاعر الأموي أبي دهبل الذي أدرك خلافة علي بن أبي طالب وولاه عبدالله بن الزبير أعمال اليمن قصيدة يصف فيها ناقته فقال :
ألا علق القلب المتيم كلثما ... لجاجا فلم يلزم من الحب ملزما
خرجت بها من بطن مكة بعدما ... أصات المنادي بالصلاة فاعتما
فما نام من داع ولا ارتد سامر ... من الحي حتى جاوزت بي يلملما
ومرت ببطن البثّ تهوى كأنما ... تبادر بالادلاج نهباً مقسما
وجازت على البزواء والليل كاسر ... جناحين بالبذواء وردوا وادهما
فما ذرّ قرن الشمس حتى تبينت ... بعايب نخلاً مشرفاً ومخيما
ومرت على أشطان دوقة بالضحي ... فما حدرت للماء عيناً ولا فما
وورد عند الطبري أن ابن خرداذبه وضع كتابه المسالك والممالك 1/35 في آخر أيام الواثق العباسي في حدود سنة 232هـ ، قال وهو يصف الطريق من خولان إلى مكة ويعدد المخاليف فيها
ثم إلى الحَسَبة، ثم إلى دَوقة، ثم إلى عُلِيب، ثم إلى يَبَة.
قال دعبل بن علي الخزاعي : وهو يذكر سبب إخراج خزاعة جرهماً من مكة ، قال : ونفوا جرهماً عن مكة وأخرجوها من أرض الحجر إلى الأصدار من دوقة والسقف من قنونى. ويقال: إن بقايا جرهم بها إلى اليوم. وهو يتكلم عن العهد الذي عاش فيه وهو القرن الثاني والثالث الهجري
وذكرها الموسوي 2/244 في رحلته فقال:
" فأتينا أرض دوقة، وقد أظهر القلب لليمن حنينه وشوقه، ونزلنا بفريق أولاد الشيخ الخليفي المتقدم ذكره، ثم خرجنا من دوقة في ساعة مسعدة..".
وموقع دوقة بين الحجاز واليمن جعل منها موقعاً استراتيجياً في المنطقة واذا رجعنا للثلاثة القرون الماضية من خلال المصادر المتوفرة فنجد كثيراً ما تذكر دوقة فكانت من أعمال مكة وتذكر كأحد مخاليف مكة ويأتي ذكر دوقة في حدود لواء عسير في تهامة من منتصف القرن الرابع عشر ضمن الحدود من جهة ولاية مكة واهتم المؤرخون والرحالة من العرب والغرب بطرق الحج والتجارة التهامية فتعتبر تهامة بموقعها الساحلي همزة الوصل بين اليمن والحجاز واشتهر في تلك الحقبة الطريق السلطاني وهو طريق لقوافل الحج ويمر بسوق دوقة، وما يذكر هنا وفاة السيدة فاطمة بنت الشريف ابراهيم بن عجلان في دوقة ودفنت بها على الخط السلطاني عام 874 للهجرة وعمل على قبرها نقش ، وذكر خير الدين الزركلي في كتابه الأعلام 1/154أن العلامة الفقيه والمؤرخ أحمد بن عبد القادر الحفظي الشافعي من أهل عسير المتوفى سنة 1233هـ ألف كتاباً وأسماه (حل العوقة عن أهالي دوقة) بين فيه عقيدة أهل دوقة وبعدهم عن مذهب الزيدية.
ميناء دوقة
يقع على ساحل البحر الأحمر على خطوط الملاحة ومطل على راس محيسن بمصب البحر الأحمر، وهو عبارة عن مرسى بحري لتحميل وتنزيل البضائع وبه رصيف جبلي طبيعي، وكان نشطاً بالحركة التجارية، وترسوا به السفن والسواعي المحملة بالبضائع من داخل البلاد وخارجها كاليمن والسودان، وكان يسمى ميناء جمل الليل، وهناك مرفأ قريب منه يسمى الصل، وميناء دوقة نجده في المصادر والوثائق القديمة يطلق عليه: ميناء ومرة مرفأ وأحياناً ببندر دوقة كما في خريطة عثمانية تعود لعام 1885م ويوجد بالميناء حامية تركية كما ورد ببعض المصادر، وكانت ترسل السنابيك إلى مواني الحرمين وهي محملة بالبضائع كالذرة والقهوة والسمن والشعير والدخن وذلك في العهد الهاشمي بالحجاز.
ونجد بعض الوثائق تشير إلى قرار العفو الجمركي لما يرد من البضائع من دوقة وتصرف هذه الرسوم على المدرسة الخيرية الهاشمية بمكة المكرمة ، وذكره صاحب الرحلة اليمانية بقوله" ولاية الحجاز من جهة تهامة يحدها وادي دوقة وله مرفأ على البحر الأحمر، وذكر صاحب تحفة البيان ص 238: أن ابن عايض حاكم عسير شرى سفينتين لنقل الجيوش وأبحرتا من ميناء دوقة، وقد كتب والي جدة إلى أمير عسير محتجاً على احتلال القوات العسيرية لبعض المناطق على ساحل البحر الأحمر مثل دوقة، وما ذلك إلا لأهمية موقع دوقة لولاية الحجاز بل يعد استيلاء أمير عسير لدوقة خطوة وتمهيد للاستيلاء على ولاية الحجاز كلها وذلك لقرب دوقة من المدن الرئيسية، وللدور المهم لموانئ البحر الأحمر في الحركة التجارية بل شكلت عوائدها مورداً مهماً لخزانة الدولة مما جعل اهتمام قادتها وحرصهم على مراقبة إيراداتها الجمركية حيث تتم في غاية الدقة والتنظيم والترتيب، وكان ميناء دوقة تحت إدارة الشيخ/ صالح بن عبدالله بن زيلعي الشيخي وكان يحصل على مبالغ مالية من الدولة مقابل إدارته لمرفأ دوقة بموجب أحمال الجمال، كما ورد في خطاب رئيس الأموال والرسوم التابع لوكيل المالية العام المؤخ في 7/ ذي الحجة من عام 1349 هـ .
هذه لمحة سريعة لتاريخ وزمن سابق لعراقة هذا المكان والتي كانت بلادنا تواجه تحديات كثيرة حتى توحدت هذه الديار على يد المغفور له الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود، فبفضل الله، ثم بجهود قادتنا وولاة أمرنا وتكاتف الجميع نهضت وتزينت لترسم لوحة مشرقة من العطاء والبناء والنماء.
واليوم دوقة هي مركز من مراكز محافظة القنفذة التابعة لمنطقة مكة المكرمة،وتقع جنوب مكة المكرمة بحوالي 270 كم، و على الخط الدولي الساحلي ويحدها من الجنوب مركز المظيلف ومن الشمال مركز حفار التابع لمحافظة الليث. ومن الغرب البحر الأحمر ومن الشرق منطقة الباحة.
وبالله التوفيق،،