غدًا الخميس (الفاتح من الميزان) يتدفق شلال الفرح السعودي ناشرًا لوحة بديعة -تتجدد كل عام- مطرزةً بألوان الوحدة العظيمة التي شملت معظم جغرافية جزيرة العرب، وهي الوحدة التي اشتغل عليها الإمام الموحد الملك عبدالعزيز آل سعود طيب الله ثراه وكتب له أجر هذه الوحدة التي أسست -بفضل الله- لهذا الإخاء والرخاء والأمن وكل ما ننعم به اليوم. غدًا -وكل غدٍ- ترتسم في عين (المنصف وشاكر النعمة ومستشعر الأمن والرخاء) ذكرى الوحدة الفريدة التي جمعت الشتات وألَّفت بين القلوب ووطدت الأمن وحكَّمت الشريعة ونشرت الخير وأطلقت حمائم السلام في ربوع الوطن. عودوا للوراء (١٠٠) سنة وتخيلوا لو أن كل قبيلة أو ناحية في وطني كان أفرادها يكتسون لونًا معينًا ثم ألقينا عليهم حينها نظرةً (عُلويةً) فسنرى ألوانًا متباينة ومنفصلة ولا تكاد تتماس فيما بينها وكل لون منكفئ على نفسه، بل سنجد أن نقاط التماس فيما بين كل لون ولون تحفل بحمرة الدم ونار الفتنة وصوت الرصاص، بل سنجد أن مظاهر الخوف والقتل والسلب والنهب والجوع متفشية داخل اللون الواحد. لكن ماذا حصل لتلك الألوان بعد الوحدة العظيمة؟، لقد تمازجت وتداخلت مع بعضها حتى لا تكاد تميز لونًا عن آخر، بل شكلت تلك الألوان فسيفساء بديعة بامتداد جغرافية الوطن الكبير، حتى أصبح كل جزء في الوطن وطنًا لكل مواطن؛ حينما منحه وطنُ الوحدةِ والأمن والإخاء حقَّ السكنى والوظيفة والتملك والشراء والبيع، فأضحى لكل مواطن الحق الكامل أن يكون أصلاً وأساسًا في كل شبر من الوطن وكأنه مسقط رأسه الذي وُلد فيه، وما ذاك إلا للوحدة الكبرى التي وحدت القلوب وهدمت أسوار الفُرقة وأرست دعائم المساواة في الوطن الواحد وأعلت بناء الإخاء والأُلفة بعد عقود من الخوف والتشرذم والاقتتال والفتنة والتخلف.
قامت المملكة العربية السعودية عام (١٣٥١هـ) فقامت معها تنمية مشهودة تمطت على أرجاء الوطن حتى وصلت مجاهل الصحراء وشعاف الجبال وأعماق الوديان، قامت المملكة فقامت معها حركة متعاظمة في حقول التعليم والصحة والصناعة والتحضُّر والازدهار وفي كل حقل يرقى بالإنسان والمكان.
تعداد مخرجات الوحدة العظيمة لن تستوعبه الأسفار لكن يكفي أن نستحضر هنا حديث النبي صلى الله عليه وسلم: «من أصبح آمنًا في سربه مُعافى في بدنه عنده قوت يومه فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها» وحين نمرر حالة المواطنين السعوديين -بل والإخوة المقيمين- على مفردات هذا الحديث فسنجدهم محققين لمفرداته، فالأمن الوارف يضرب بأطنابه على أرجاء الوطن والرزق لا يخلو منه بيت مواطن ولو في أدنى مستوياته والصحة ينعم بها المواطنون بعد عقود من الأوبئة والأمراض، ومن كان منهم مريضًا فدونه الكم الوافر من المستشفيات والمراكز الصحية الحكومية. نِعمٌ تترى لا ينكرها إلا جاحد أو مكابر أو مغرض، نِعمٌ لم تجدها شعوب كثيرة تشتكي من ويلات الحروب والطائفيات والجوع والشتات، وهذا يدفعنا للقول بأن بقاء هذه النعم يستوجب منا الشكر، والشكر ليس باللسان فقط؛ بل بالفعل والعمل فقد قال الله تعالى: «اعملوا آل داود شكرًا..»، فربطَ الشكرَ بالعمل وليس بالقول وحده، ويدفعنا أيضًا للقول لكل مواطن بأن المسؤولية عليك كبيرة وواجب الحفاظ على النعمة يتطلب الشكر العملي والقولي لله أولاً ثم السمع والطاعة لولاة الأمر -في غير معصية الله- ومساندتهم والدعاء لهم وللوطن عمومًا، واليقظة والانتباه لكل حاسد أو متربص وإن حصل بعض القصور فالكمال لله وحده، كما يتطلب ذلك ممن ولاهم الله أمر هذه البلاد الاستمرار في قبول النصيحة الخالصة الصادقة ومداومة الاستمساك بشرع الله وتحكيمه والأخذ على أيدي السفهاء أيًّا كانت توجهاتهم.. وكل ذكرى للوحدة الوطنية العظيمة وقادتنا ووطننا وشعبنا بأمن وأمان ورخاء واستقرار.
بَوحي:
وطني أُعيذُكَ من شرورِ الحاسدِينْ
وأعيذُ همتَكَ العصيةَ أن تَلِينْ
عرفتْ بكَ الدنيا سبيلَ رشادِها
وتزاحمتْ منكَ الفضائلُ كلَّ حينْ
مَن رامَ وصلَكَ جئتَهُ مُتحببًا
وحملتَ روحَكَ فوق كفِّكَ للخَدِينْ
حُيِّيتَ يا وطنَ السلامِ ورفرفتْ
راياتُ مجدِكَ فوقَ كيدِ الكائدِينْ