،،
مارس كرة القدم على استحياءٍ قبل وقت انتشارها، وتابع مبارياتها على (الراديو) قبل أن يتطوروا لعهد (الإرْيَل)، ومع كل هذا إلا أنه كان من أشهر سائقي (المورسيدسات) الثقيلة التي كانت تحمل البضائع في الستينيات الميلادية من جدة إلى بلدته نمرة، وقد جاوز الآن السبعين من عمره وما زال ـ ما شاء الله تبارك الله ـ يعيش بيننا بروح الشباب مع لعبة (الدومينة) وبرّاد الشاي (الثقيل) وعصيدة (بن سبيع).
،،
لا أفوّت التشرف بدعوته في ليالي الإجازة، لما يمتلكه من روحٍ مرحة ذات مخزونٍ معلوماتي عن حياة الآباء وبعض الأجداد الذين شاركهم تفاصيل الحياة قبل عهد (التقنية)، والذي ساعده تفكيره المنفتح وعقليته الفذة أن يعيشها اليوم كأحفاده.
أعود وأقول ما شاء الله تبارك الله على العم (ظفير بن مصلح العرياني) ذلك السبعيني الذي توقع لنا فوز الطليان ببطولة أمم أوروبا بشيء من الخبرة، وكثير من الأمنيات التي ما زال يحتفظ بها للشعب الإيطالي الذي يعتبره على حد وصفه (جزءًا من حياته).
,,
لم تمنع المسافة العمرية بيننا أن أسبر أغوار (عشقه) للإيطاليين الذي كشف لي بأنه يتجاوز الأربعين عاماً، منذ أن تعرف عليهم من خلال شركة (جراند لا فوري) المتعاقدة معها وزارة النقل آنذاك لسفلتة الطرق العامة، كان يسكن وقتها كأكثر المواطنين بمنزل شعبي نصفه من الطين، لكنه تميز بقربه من مقر الإيطاليين المشيّد بالخرسانة والحديد مع عوائلهم (الشقر) وحياتهم المرفهة، المشابهة لحياتنا اليوم، فعندهم المسابح ذات السيراميك بتصريفاتها ذات السباكة الحديثة، وملاعب لكل أنواع الرياضة بأرضيات ربما تفتقر لها اليوم بعض أحياء أوروبا، فضلاً عن مأكولاتٍ ومشروبات ـ لم تُعرف إلا بجيلنا الحالي ـ في وقتٍ لم يعرف فيه بعض أجدادنا التفاح والموز والعنب.
،،
ومع كل ذلك كان عملهم متقناً كالساعة، وبما أنهم بالقطاع التهامي الحار ولأجل النزهة ـ فقط ـ وقت إجازتهم الأسبوعية فقد افتتحوا عقبة شاهقة ـ يكلف مثلها اليوم الملايين ـ لتربطهم بالسراة لينعموا ببرد المرتفعات عندما يشتد الصيف.
،،
وما زالت هذه العقبة التي يرتادها آلاف السائحين حتى اليوم شاهد عصرٍ على قوة آثارهم.
،،
ما دعاني لجلب ذكريات العم ظفير المتزامن مع تحقيق إيطاليا للبطولة ليس لتمجيد الأزوري ولا النكاية بالإنجليز وإنما لترسيخ مبدأين في الحياة أحدهما أن (العمل المتقن واجب) حثنا عليه شرعنا، ونحن أولى بتطبيقه في وطنٍ منحنا كل شيء.
،،
والمبدأ الثاني هو (الوفاء) الذي أصبح ماركة سعودية تتيح لذواكرهم القريبة وحتى البعيدة منها الاحتفاظ بكل جميل دون الاكتراث لجنسٍ أو لونٍ أو لغة وإنما فطرة إنسانية يتعامل بها الشعب وقيادته مع الجميع.
،،
بقي أن نبارك لإيطاليا اليورو، ولأشبال مارادونا كوبا أمريكا، وهارد لك لأصحاب الأرض.
،،
توقيعي/
دارت الأيام وصارت أكثر شعوب العالم تنظر للسعودية كنموذج حياةٍ فريد، بأسلوب عصري ذا طابعٍ حضاري أنيق.