صورة صادمة نشرتها شبكة (الدروازة نيوز) الكويتية عبر حسابها على تويتر قبل سنتين؛ حينما عرضت جدولاً يبين تعداد سكان دول الخليج العربي للعام (٢٠١٨م)؛ حيث أظهرت أرقامًا تبعث على القلق حين المقارنة بين سكان دول الخليج والوافدين. الجدول أظهر انحرافًا حادًّا يميل لصالح الوافدين، وذلك في أربع دول هي على الترتيب: الإمارات، حيث كانت نسبة المواطنين إلى الوافدين (١٧٪)، ثم قطر (٢١٪)، ثم الكويت (٣٠٪)، ثم البحرين (٤٧٪)، أما عُمان (٥٥٪)، ثم السعودية (٦٢٪) فكانت نسبة المواطنين تزيد قليلاً على نسبة الوافدين. ثم جاءت الشبكة بالنسبة الكلية لمواطني دول الخليج مقارنة بالوافدين فكانت (٤٩٪)، وهو ما يعني أن ما يزيد على نصف عدد سكان الخليج هم من الوافدين. مر على الصورة أكثر من سنتين، وربما زادت النسبة لصالح الوافدين، علمًا أن مجرد اقتراب نسبة الوافدين من الـ(٥٠٪) من النسبة العامة ينذر بتغيير وشيك في التركيبة الديموغرافية لمواطني أي دولة، فكيف بها في دول الخليج وقد تخطت هذه النسبة على المستوى الكلي؟!.
بالطبع لا تخفى علينا التحولات التي عاشتها دول الخليج خلال العقود الأخيرة، وهي التحولات التي شهدت تدفق عوائد كبيرة للنفط، وهو الأمر الذي ترتب عليه زيادات كبيرة في معدلات النمو في مجالات التنمية كافة، وهذا ترتب عليه استقدام العمالة الوافدة بأعداد وفيرة لمسايرة حركة التطور والنمو، يضاف إلى ذلك أن مواطني دول الخليج لا يملكون المهارات اللازمة للدفع بهذا التحول الكبير للأمام ما ألجأهم للاستعانة بالوافدين. لن أعيد ما أكد عليه الخبراء من مخاطر مترتبة على هذه الأرقام المتورمة من الوافدين، سواء على المستوى الأمني، أو الأمن اللغوي، أو على مستوى الوضع المعيشي، أو على مستوى التحويلات المالية الخارجية، أو على مستوى التركيبة السكانية...، لكنني أتساءل عن الحلول المفترَضة أمام هذه الأرقام الكبيرة للوافدين في دول الخليج؟ ، هل هي في إجلائهم والإبقاء على القلة القليلة منهم؟، هل هي في (الخَلْيَجَة) كـ(السَّعْوَدَة)؟، هل هي في زيادة الرسوم والضرائب على الوافدين؟.
في البدء لنا أن نتساءل: هل سيشتغل الخليجيون في مهنة البناء والتعمير؟، في ورش صيانة السيارات؟، في المطاعم؟، في التحميل والتنزيل؟، في سفلتة الشوارع ورصفها وتنظيفها؟، في أعمال السباكة والكهرباء؟، في الحدادة والنجارة؟.
بنظرة سريعة نجد أن (غالبية) الوافدين ينضوون تحت هذه المهن، ولا عبرة بالأسماء الخليجية (النادرة جدًّا جدًّا) التي قد توجد في بعض تلك المهن. ولأن هذه المهن تحتاج (لعقود زمنية طويلة لا نعلم أمدها) حتى يتم توطينها، فإنه ينبغي تركيز الجهد على بقية المهن التي بالإمكان توطينها في القطاعين الحكومي والخاص، وقد اشتغلت الحكومات الخليجية على هذا الأمر ولكنها تُقابل كثيرًا بإعراض المواطن الخليجي؛ (نظرًا لانخفاض مرتباتها وانعدام الأمن الوظيفي). نحن إذن أمام أمرين: مهن لا يمكن أن يمارسها المواطن الخليجي في المستقبل القريب وتحتضن غالبية الوافدين، ومهن تفتقد للمرتبات الجيدة والأمن الوظيفي فتُقابل بإعراض الخليجي عنها، وعلى هذا ستطول أزمة البطالة الخليجية، وسيطول بقاء الوافدين بأعداد وافرة. وبرأيي فإن نسبة الوافدين لن تنخفض لأدنى مستوى إلا في حالات ومنها: أن تُخفض رواتب الموظفين في القطاعات كافة إلى ما يُقارب مرتبات المهن التي ليس لها أمن وظيفي (وهذا يبدو متعسرًا)، أو أن يرمي المواطنون الخليجيون العيبَ الاجتماعيَّ والكسلَ وراء ظهورهم ويشتغلوا بأي مهنة (وهذا هو الحل السحري الذي أغنى كثيرًا من دول العالم عن العمالة وقلل البطالة فيها، ولكن من يعلق الجرس الخليجي؟ ومتى؟)، أو أن تختفي -لاقدر الله عوامل جذب الوافدين إلى الخليج ممثلة في (الاستقرار والرخاء).. وإلا فسيبقى الخليجيون أشبه بالغرباء في أوطانهم.