استاق أبو سعد خروفه السمين من المزرعة متوجهًا به نحو السوق وقلبه يتمزق على قراره المؤلم، لكن ذلك أمر لابد منه، وعاد من السوق وكفه يقبض على ١٣٠٠ريال.
قال سعد:
لقد توفقت يا أبي في سعر الخروف
رد الأب متنهدًا :
ليس كثيرًا ، كنت أخطط لبيعه ب١٥٠٠ بعد عدة أسابيع
رد سعد بصوت خافت:
آسف يا أبي
-المهم أن تحصل على الثانوية وتنخرط في العسكرية، ما عدا ذلك يمكننا تجاوزه
غض سعد رأسه وسحب نفسًا عميقًا :
أنا أحاول أن أسعدك يا أبي، لكن هذه قدراتي
ابتلع الصمت خطواتهما وهما يتوجهان نحو المحل المتخصص في بيع أجهزة الحاسب والإلكترونيات، حيث أبلغهما صاحب المحل أنه متعاطف معهما للغاية لكن أرخص جهاز في المحل سعره ١٥٥٠بعد الخصم!!
تجمدت يده على المبلغ الذي ظن أنه سيعود منه ب١٠٠ أو ٥٠ ريالًا على الأقل، فقد مر على هذا المكان قبل ٣أيام أو أربعة وأخبروه أن أرخص جهاز في المحل قيمته في حدود ١٢٠٠ريال تزيد أو تنقص قليلا..
لقد طارت الأسعار يا أبي ،ليتنا احتفظنا بخروفنا
ماذا تقول ياولد!؟ يجب أن تدرس وأن تتخرج هذا العام، يكفي ما أنفقته من عمرك على مقاعد الدراسة المهترئة!
حاول سعد تجاهل عبارة والده الأخيرة، وتشاغل بمحاولة الخروج من المحل المزدحم بالآباء المتدافعين لشراء الأجهزة، ليصطدم به الأستاذ حامد ابن القرية الذي يدرّس سعد في مادة الإنجليزي
ماشاء الله ماذا لديك يا سعد هنا؟
تلعثم سعد كالعادة ،فتدخل الأب:
نريد أن نشتري له جهازا ليدرس عن بعد، لكن السعر مرتفع بعض الشيء
جهاز لسعد؟!
بدا وكأن في لهجة المعلم نوع من التهكم أو هذا بدا لسعد..
نعم نريده أن يتخرج هذا العام،لقد نجح العام من الصف الثاني ثانوي مباشرة كما تعلم.
وفقه الله، سعد ولد طيب، وسوف يكون خير معين لك في المزرعة ورعاية الخراف
لا لا،أريده أن يذهب للعسكرية
لكن ماذا عن علي، أنه طالب مجتهد ومميز في المدرسة ومختلف عن جميع أولادك، هل اشتريت له جهازا أيضا؟
لا طبعا، لا يمكنني الشراء لكل واحد، علي لازال بعيدًا عن التخرج، المهم الآن هو سعد
سعد الذي أمضى عمرا مضاعفا على مقاعد الدراسة بسبب معاناته من صعوبات في التعلم كان يدرك أنه يحتاج لمعجزة تسمح له بالحصول على شهادة الثانوية،معجزة كتلك التي حدثت بنهاية العام الماضي وسمحت له بالانتقال من الصف الثاني ثانوي دون أن يضطر للإعادة لأول مرة في حياته، سعد كان يظن دائما أن أزمة كورونا كانت استجابة إلهية لدعواته اللحوحة أن يعجل الله بخلاصه من المدرسة!!
عقد الأب اجتماعا عاجلا بأفراد الأسرة لمناقشة كيفية تدبر المبلغ اللازم لشراء جهاز الكمبيوتر لسعد،وانتهى الأمر بتبرع الأم ببيع خاتمها القديم، واختتم الاجتماع بمناقشة رأي أفراد الأسرة في قرار التعلم عن بعد..
حيث أبدت الأم رضاها التام عن القرار لأنه سيسمح لها بالاستفادة من خدمات ابنتها حصة في جني محصول البامية والطماطم من المزرعة أثناء النهار بدلا من الانشغال في المدرسة، أما حصة نفسها فقد أبدت تذمرها الشديد من القرار لأنه حرمها من رؤية صديقاتها والمرح معهن كما حرمها من مصروف الصباح!!
أما سعد فقد كان أسعد الجميع بالقرار لأنه على الأقل سيتيح له التخلص من تنمر الطلاب وبعض المعلمين وسخريتهم من كفاحه الطويل في المدرسة حتى كاد يشارف على الثلاثين وهو بالكاد يقرأ ويكتب..!!
أما حمد الطفل الذي سجل للتو في الصف الأول فقد أصيب بصدمة كبيرة عندما علم أنه لن يلتحق بالمدرسة في الوقت المحدد ،حيث لن يلبس ثوبه الجديد وحقيبته الملونة، فقام بتوجيه سؤاله الحائر لجميع أفراد الأسرة:
لماذا لا أدرس وما معنى التعلم عن بعد؟!
أجابه الأب بعد إلحاح:
لن تدرس حفاظا على صحتك، وأما الشق الثاني من سؤالك فكل ما أعرفه عنه أنه أضاع علي خروفي السمين!!
وحده علي كان صامتا يتأمل في نقاش أهله، مما أغرى الطفل حمد أن يسأله متحمسا:
علي: أنت ولد شاطر ومتفوق وتفهم أكثر من أخواني، أخبرني أرجوك :
كيف يعني التعليم عن بعد؟!
سحب علي نفسا عميقا وأرسل نظرة للأفق البعيد وحدّ بصره وزمّ شفتيه وشبّك أصابعه ثم قال:
مدري والله!!!
فاطمة السهيمي
@fatimaalshimi