في مسيرة الحياة ورحلة العُمر نجد أن للنجاح اتجاهَين: الاتجاه الأول نجاح الإنسان مع نفسه؛ بتحقيقه ما كان يرجوه ويتطلع إليه، كتحقيق التفوق الدراسي، ونَيل أعلى الشهادات، وتسنُّم أعلى المناصب، وزيادة الأرصدة، وغيرها من النجاحات الفردية التي لا يتعدى نفعها -في العادة- الإنسانَ ذاتَه صاحبَ النجاح، وهذا دون شك يُعد نجاحًا مطلوبًا ومرغَّبًا فيه، وإن كان له من نفع متعدٍّ فإنه يتضاءل تدريجيًّا ولا يأخذ صفة الاستمرارية، ولا يُقارن بحجم النفع المتعدي الناتج عن الاتجاه الأخير الذي هو نجاح الإنسان مع الحياة عمومًا، ومجتمعه المحلي على وجه أخص، وهو النجاح الذي لا يتطلب أعلى الشهادات، ولا أرفع المناصب؛ وإنما يتطلب بالدرجة الأولى الدافعية الذاتية المقرونة بالنية الصالحة بغيةَ النفعِ للآخِرِين (النفع المتعدي)، وإن صُحبت الدافعية بالملاءة المالية فهذا مما يعززها.. وحينما نتحدث عن شخصيتنا اليوم فليس لأنها بلغت تخوم الكمال؛ وإنما لأن لها أثرها في مجتمع كان في بدايات التنمية، وكانت لها بصمتها في المسيرة التنموية على مستوى محافظة العُرضيات -أقصى جنوب منطقة مكة- وكانت لها أولوياتها في هذه المسيرة، إضافة إلى ذلك كانت لها جهودها ومشاركاتها المجتمعية ودعمها للأعمال والأنشطة والفعاليات الرسمية منها والخيرية.
حين نتحدث عن ذلك يأتي رجل الأعمال الشيخ سعد بن دُغسان القرني بوصفه واحدًا من الشخصيات التي كانت لها أولوياتها في مجال توفير الخدمات النوعية التي لم تكن معهودة في محافظة العُرضيات.. خذ على سبيل المثال محطة الوقود التي أُنشئت في المَدَرات (القديمة) منتصف تسعينيات القرن الهجري الماضي -وربما قبل ذلك- وتُعد من أقدم محطات الوقود في العُرضيات، وهناك مستوصف العُرضية الشمالية الأهلي في نمرة الذي أُنشئ مطلع القرن الهجري الحالي ويُعد -حسب علمي- الأقدم في العُرضيات، وتلحق به صيدلية نمرة التي هي الأقدم في المحافظة، يضاف إلى ذلك تسهيله الأمر -مطلع القرن الهجري الحالي- لافتتاح فرع لأحد البنوك التجارية في نمرة ليخدم شريحة واسعة من سكان المحافظة، وظل هذا الفرع هو الوحيد إلى وقت قريب، ولا تغيب عنا مكتبة (قرطاسية) أبناء سعد المتعب في نمرة التي كانت الثانية في المحافظة من حيث الإنشاء وربما كانت الأولى من حيث كونها مكتبة متكاملة مع أنها لم تعد موجودة اليوم، وغيرها من الأولويات التي لا يتسع المجال لحصرها.
وحين نتحول للجانب الإنساني والاجتماعي نجد لشخصيتنا مواقف عديدة؛ فقد كان في مقدمة مؤسسي جمعية البر الخيرية بالعُرضية الشمالية، وكان داعمًا لها ماديًّا -وأنا بذلك زعيم- ومعنويًّا، وحاضرًا في مناسباتها، وكان داعمًا لأنشطة التحفيظ والدعوة في العُرضية الشمالية ومشاركًا في مناسباتها،
ولم يبخل بمال أو جهد أو مشاركة للجنة التنمية الاجتماعية بالعُرضية الشمالية، وكانت له بصماته في أنشطة التعليم ومناسباته، بل إن الثقافة في محافظة العُرضيات ممثلة في (اللجنة الثقافية بمحافظة العُرضيات) التابعة لأدبي جدة نالت نصيبها من عطاءاته وجهوده حينما دعم فعالياتها ماديًّا -وأنا أيضًا بذلك زعيم- وحضر عددًا من فعالياتها، وغير ذلك من الدعم المادي والمعنوي للمؤسسات الرسمية والخيرية، فضلاً عن تلمسه لمطالب المحتاجِين والفقراء والمعوزِين، ومشاركته المجتمع أفراحه وأتراحه. هذا نموذج، والمحافظة لا تخلو من أمثاله من أصحاب النفع المتعدي الذين نجحوا في اختبار الحياة وخدمة مجتمعهم، وعسى أن يتحقق فيهم «أحَبُّ الناسِ إلى اللهِ أنفَعُهم للناسِ».
بحسب "المدينة"