تحرص الدول المتقدمة على الحفاظ على المعالِم الطبيعية البارزة التي أبدعتها قدرة الخالق، أو خلَّفتْها حضارات الأمم الغابرة، مع تطويرها والاستفادة منها. وحَجَرُ القِلادة بمركز العُرضية الشمالية بمحافظة العُرْضِيَّات -أقصى جنوبي منطقة مكة المكرمة- يُشكِّل مَعْلمًا طبيعيًّا بارزًا بتشكيلاته العجيبة، وقامته المتطاولة، وتَدَلِّيْه المَهيب على الطريق العامة، ويمثل آيةً تُلفتْ إليها أنظار المارَّة، وتُلهب قرائحهم، وتستدر خيالاتهم؛ إذ سرعان ما يستدعي الناظر إليه قصيدةَ ابنِ خفاجةَ الأندلسيِّ:
وأرعنَ طمَّاحِ الذؤابةِ باذخٍ
يُطاوِلُ أعنانَ السماءِ بغاربِ
يسدُّ مهبَّ الريحِ من كُلِّ وِجهة
ويَزحُمُ ليلاً شُهْبَهُ بالمناكبِ
حجر القلاة تشكيل صخري طبيعي فاتن أبدعتْهُ قدرة الخالق، ويُعتبر امتدادًا طبيعيًّا -من الناحية الشرقية- لجبل (جِبْحَة) الشهير الذي يتميز بارتفاعه الشاهق ومنحدراته الحادة التي شكَّلتْها صخوره الملساء العريضة وخاصةً من جهته الجَنوبية. يتكون حجر القلادة من عدة صخور متطاوِلة، بعضها مغروس في الأرض شامخ في الفضاء، وبعضُها عبارة عن صخرتين أو ثلاث مُتراكمة. ولقد ارتبط حجر القلادة لدى الناس بحوادث السيارات التي أطلَّتْ برأسها حينما عبَّدَتِ الشركة الإيطالية (جراندي لافُوري) طريق (المظيلف - المخواة- نمرة- شمران- المجاردة) عام (١٣٩٨هـ) وكان لزامًا عليها أن تَمر بجوار هذا المَعلم الشاهق، وربما كان بمقدورها إزالته لتستقيم الطريق، لكنْ رُبما أنها فضَّلتْ بقاءه ليُلْفِتَ الانتباه، ويحظى بإعجاب المارِّين. الحوادث التي وقعت بجوار هذا المَعلم مازالتْ مستمرة، مع أنه ليس السبب الرئيس فيها، وهنا ترتفع الأصوات، بعضها يطالب بإزالة هذا المَعلم، وبعضُها -وهو الأَوْجَه- يطالب بازدواجية الطريق مع بقاء المَعلم وعدم المساس به. مسمى حجر القلادة له عدة تأويلات، وتدور حولَه عدة أساطير، لكنَّ أشهرها -وهو الذي تواطأتْ عليه الأكثرية- أن فتاة أخذتْ إناءً مملوءًا ماءً وصعدتْ إلى سطح منزلها لتغسل شَعْرَها، ثم حطت عن جيدها قلادةً كانت تُزينه بها، وأثناء ذلك لمحتْ حدأةٌ القلادةَ فانقضَّت عليها واختطفتْها وطارت بها، فاستغاثت الفتاة بأهل بيتها فخرجُوا يطاردون الحدأة علَّها ترمي لهم القلادة، وظلوا يطاردونها من مكان لآخر حتى صارتْ فوقَ كُتَلٍ صخريةٍ، وثَمَّةَ أسقطت القلادةَ بينها ومضتْ، فحاول المطاردون الوصول إلى القلادة بين تلك الكُتل الصخرية فلم يستطيعوا، وعادُوا يحملون الحسرة والأسى، فأطلقُوا على تلك الكُتل الصخرية مسمى (حجر القلادة). تاريخيًّا يبدو أنَّ المدوِّنِين والرحالة لم يكتبُوا عن حجر القلادة؛ ربما لأن طريق القوافل لم تكن تمر به، وربما لأسباب نجهلها، وغايةُ ما وصل إلينا هي الصورة الفوتوغرافية التي نشرها قبل فترة المُؤرِّخ عبدالهادي بن مجنِّي عن الرحالة الإنجليزي وِيلْفَرْد ثيسيجر، المعروف باسم مبارك بن لندن، الذي مر على العُرضيات سنة (١٣٦٥هـ) في رحلته المشهورة جَنوبي المملكة، وصوَّر عددًا من معالم العُرضيات وأُناسها وحياتهم، وكان من بين تلك المعالم التي صوَّرها حجرُ القلادة، وهو ما استدعى الكتابة عن تلك الرحلة من قِبَل بعض مثقفِي محافظة العُرضيات، وجعلَ بعضَ شبابها يلتقطون صورًا حديثة من المكان نفسه الذي وقف فيه ويلفرد -تقريبًا- عندما صوَّر الحجر، ثم يَعمدون للمقارنة بين الصورتَين. حجر القلادة آية في التكوين، ومَعلم طبيعي بارز تنبغي المحافظة عليه بدلاً مِن التفكير في إزالته، ومن هُنا يتوجَّب الإسراع بازدواجية طريق العُرضيات لتذهب فكرة الإزالة، كما ينبغي العمل على الاستفادة من هذا المعلم؛ كأنْ تَتم إضاءتُهُ بالأنوار الملونة ليبدو بصورة زاهية خاصة في الليل، أو أنْ يُعمَدَ لجعل المياه تتدفق من أعلاه لِتُشكِّلَ شلالاً فاتنًا، أو أنْ توضع عليه سارية تحمل راية الوطن العزيز، أو يَتمَّ الرسم على أجزاء منه ليَبرُز من خلال الرسم ما يمثل تراث المحافظة، وغير ذلك مِنَ الأفكار الإبداعية، بدلاً من بقائه أَخرس مُعَطَّلاً.