في كتابه الصادر حديثًا (تشخيص الصحوة.. تحليل وذكريات) أراد معالي نائب وزير الشؤون الإسلامية الدكتور توفيق السديري أن يفتح «كوَّةً على وجهٍ من أوجه الحراك الفكري في المملكة» كونه -كما يذكر- عايش مرحلة مفصلية في تاريخ المملكة، رآها رأي العين، وخالط رموزها ومنتسبيها منذ مطلع السبعينيات، مركِّزًا على ما سماه (فكر التفسير المصلحي التوظيفي للدِّين). لن أحيط بتفاصيل الكتاب، لكنني سأتوقف عند بعض النقاط الأكثر إثارة، ومن ذلك أن السائد في ثقافتنا العربية أن يُذكَر (جمال الدِّين الأفغاني) بوصفه رائدًا من رواد النهضة العربية ومفكرًا ومجدِّدًا وعلمًا من أعلام التنوير، غير أننا نجد معاليه يقول: «يمكن أن نسلسل تاريخ التفسير المصلحي السياسي للدِّين في هذا العصر من بذرته الأولى لدى جمال الدِّين الأفغاني الذي كان وثيق الصلة بالفلسفة والفكر الغربي والحركات السياسية والجمعيات الماسونية»، ثم تأتي المفاجأة وهي أن هذا الفكر «لم يجد طريقه إلى عامة المسلمِين حتى ظهر حسن البنَّا الذي أسس حركة الإخوان المسلمِين ونقل نظريات الأفغاني الفكرية حول الدِّين والإصلاح والتغيير من المجال العلمي إلى مفاهيم وحركة شبابية وشعبية واسعة». وهذا القول يُعد كشفًا للأوراق المغيَّبة وتحولاً جذريًّا وانقلابًا كبيرًا في المفهوم السائد عن التنوير وما يُحاط به من قداسة وتعتيم على إيديولوجياته الخفية، وكشفًا للجذور (الحقيقية) لفكر تنظيم الإخوان المسلمين. نقطة أخرى غاية في الأهمية يشير إليها معاليه، حيث يرى أن التفسير النفعي المصلحي المنحرف يرجع إلى أصلٍ كليٍّ واحد في فهم الدِّين ألا وهو أن الغاية الرئيسية للدِّين هي إصلاح الدنيا وإعمار الأرض، ومن هذا التفسير انطلق أصحاب التفسير النفعي حيث يرون أن تلك الغاية «لا يمكن أن تتحقق إلا من خلال الانقلاب السياسي وتغيير نظام الحكم وإقامة الحكومة العادلة». أما عن بداية الظهور الجلي للتفسير السياسي للإسلام في هذا العصر فيرى معاليه أنه جاء على يد (أبي الأعلى المودودي) الذي «لما أراد أن يقدم نظامًا إسلاميًّا لبناء المجتمع والدولة بديلاً عن المدنية الغربية «نقل ذلك النظام من منزلته المقررة في الدين بأنه جزء من الشريعة العملية إلى أعلى مراتب الدِّين، بل زعم أن تحقيق ذلك النظام هي الحكمة المقصودة والغاية من الوحي والكتاب والشريعة والعبادة»، مؤكدًا على أن المودودي فسر مفهوم العبادات «بأنها وسيلة للتربية لغاية أكبر، وهي إعمار الأرض وليس تعبدًا محضًا.. وهي التي أوحت إلى سيد قطب بنظرية الحاكمية وتفسير شهادة التوحيد بها». معاليه يؤكد أن التيارات والتنظيمات التي تبنت التفسير السياسي للإسلام لم تكن بذرتها الأولى على أرض المملكة، وليست نتاجًا للفكر الديني والعقدي والمنهج الدعوي السائد في المملكة وإنما وفدت إلينا، ويذكر من تلك التيارات والتنظيمات (جماعة الإخوان المسلمين بتنظيماتها الخمسة الفرعية داخل المملكة، والتنظيم السروري، وحزب التحرير، وجماعة جهيمان، وتنظيم القاعدة، وتنظيمات أخرى أدنى منها وهي جماعة التبليغ، والتيار الجامي، والتنويريون الإسلاميون الذين «هم أمشاج مختلطة لفلول عدد من التنظيمات والتيارات الإسلامية في السعودية لقيت اهتمامًا وتحفيزًا من دوائر صنع القرار في الغرب».
الكتاب شاهد على المرحلة، جاء ليكشف ما علق بالإسلام من أفكار ضالة ظن أصحابها أنهم على شيء، وليبين خطر تلك التيارات والتنظيمات على وطننا مهبط الإسلام ومنطلقه.
بقي القول إن معاليه لم يتطرق لتعريف مفهوم (الصحوة)، ثم إن المتواطأ عليه هو أنها بدأت مطلع الثمانينيات الميلادية، فهل تمتد لما قبل ذلك؟ وهل تندرج التيارات المذكورة جميعها تحت مفهوم الصحوة؟.