يعيش المجتمع السعودي هذه الأيام -على اختلاف توجهاته- حالةَ تفاؤلٍ واستبشار بالقرارات الأخيرة للهيئة العامة للرياضة؛ ذلك أنها أتت لتعيد ترتيب البيت الرياضي في جوانب عديدة، سواء المتعلقة برؤساء الأندية، أو باللجان الإحصائية، أو بنوعية البطولات المحلية، أو بالقضايا العالقة وغيرها، وهي القرارات التي يُؤمَّل أن تتزامن معها قرارات مماثلة في المؤسسات الأخرى لاجتثاث بؤر الخلل والفساد. قرارات الهيئة أتت متساوقة مع عاصفة التغيير والتصحيح الشاملة التي يقودها الملك سلمان ويقوم على تنفيذها ومتابعتها سمو ولي عهده الأمير محمد بن سلمان بكل جدية وحزم. ومن ضمن قرارات الهيئة القرار المتعلق بالمظهر العام للجماهير الرياضية أثناء دخولها الملاعب لمشاهدة المباريات؛ إذ وجَّه معالي رئيس الهيئة العامة للرياضة الأستاذ تركي آل الشيخ بمنع دخول مَن لا يلتزم بالزي المتوافق مع طبيعة المجتمع السعودي كارتداء الملابس التي لا تليق بالظهور في أماكن عامة. ومع أن هذا القرار -قرار الزي- قد يفسره البعض بأنه تدخُّل في خصوصيات الآخرِين إلا أن القوانين والأنظمة تشير إلى أحقية أي مؤسسة في فرض ما تراه على موظفيها ومرتاديها والمستفيدِين منها، وخير مثال على ذلك منع المؤسسات التدخينَ في حرمها. اللافت للنظر في هذا القرار هو حالة القبول به والرضا بمضمونه، ولعلها مؤشر على تنامي الوعي لدى المجتمع، غير أننا لو تخيَّلنا -مجرد تخيل- أن القرار صادر عن مؤسسة أخرى غير هيئة الرياضة ولتكن (وزارة الشؤون الإسلامية)، بحيث تمنع كل من لا يلتزم بالزي المتوافق مع مكانة المساجد وقيمتها من دخولها، ما هي ردود أفعال المجتمع حيال ذلك وخاصة الشريحة التي عُرِفت بمصادماتها المستمرة مع قرارات المؤسسات الدينية؟ أجزم أن ردود الأفعال ستكون قوية وصادمة، وأن الاعتراضات ستتكاثر بمواجهة هذا القرار، وأن حالة (التناسخ) كما يصفها الدكتور أحمد التيهاني ستبرز بقوة بين أفراد تلك الشريحة، وقد يوصف القرار بالمتزمت، مع أن الشؤون الإسلامية سوف تستند على دليل ناصع قوي وهو قوله تعالى: «خذوا زينتَكم عند كل مسجد»، وهذا الدليل لوحده كافٍ ليكون حجة للوزارة في منعها المصلين، خاصة وأن بعضهم لا يقيم اعتبارًا لمكانة المسجد؛ فتراه يَحضر بثياب رثة، أو بثياب النوم، وبعضهم -وخاصة الشباب- يحضر بملابس غير ساترة، وبعضهم يحضر وعلى ظهره وصدره صور بعض اللاعبين أو الفنانين أو الأشباح. لست في مقام دفع الوزارة وإغرائها باتخاذ هذا القرار، وإنما أردت من هذه المقاربة أن أُبيِّن أن ردود الأفعال من قِبَل بعض أفراد المجتمع لا تُبنى في الغالب على صوابية القرار ووجاهته أو على خطئه ، وإنما تُبنى على مواقفهم وأحكامهم المسبقة حيال مَصدر أو مُصدِّر القرار، وهذا يعني أن ردود أفعالهم لا تأتي موضوعية متجردة من الذاتية والهوى، وإنما هي أسيرة الانطباعات والأحكام المسبقة تجاه الأشخاص والمؤسسات، وأحيانًا لا تخرج عن كونها تصفية حسابات.
أمر آخر يأتي في سياق هذه القرارات الحازمة الحاسمة وهو أنه بالنظر لمعالي رئيس الهيئة العامة للرياضة نجده الأحدث منصبًا مقارنة بأمثاله في الوزارات والمؤسسات الأخرى، ومع هذا اتخذ قرارات لا تعدلها -كمًّا وكيفًا- قرارات وزارتَين أو ثلاث، ولذا يتبادر للأذهان السؤال التالي: هل هذا عائد إلى القدرات الذاتية لمعاليه؟ أم هو عائد للصلاحيات الممنوحة له؟ . من حيث الصلاحيات لا أظن المسؤولين جميعهم -ومنهم الوزراء- إلا يقفون على مسافة واحدة من صاحب القرار، وتبقى مسألة القدرة والجرأة والحزم في اتخاذ القرار محل تفاوت بين الأفراد.. ولذا قيل: إذا لم تستطع شيئًا فدعْهُ.