وضعت هيئةُ السياحة والتراث الوطني نفسَها في موقف لا تُحسد عليه؛ عندما قامت بترسيمِ سوقِ حباشةَ التاريخي في موقعَين مختلفَين من منطقتَين متجاورتَين جنوبَ غربيِّ المملكة العربية السعودية. فقد قامت الهيئة بترسيم السوق (على الواقع) بوضعها أعمدة من الإسمنت تحمل اسم الهيئة وذلك في وادي قنونا بمحافظة العرضيات أقصى جنوب منطقة مكة المكرمة، وقامت بتسجيله لديها. ثم قامت بترسيمه في موقع آخر بمحافظة بارق شمال غرب منطقة عسير، وذلك بوضعها أعمدة من الإسمنت تحمل اسمها. الهيئة بهكذا إجراء خلقت حالة من الجدل بين الباحثِين والمهتمِّين بتراث المحافظتَين؛ ذلك أنها بترسيمها السوق في موقعَين مختلفَين تكون قد شتت جهود الباحثِين، وأحدثت حالةً من عدم الثقة بينها وبينهم. لعل أهمية سوق حباشة تأتي من كون المصطفى صلى الله عليه وسلم تسوَّق فيه وِفق بعض المصادر، ومنها ما أورده البكري في معجمه عن حكيم بن حزام قال: «رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يحضرها واشتريت منها بزًّا من بز تهامة». وتورد مصادر أخرى أن المصطفى صلى الله عليه وسلم كان يتاجر للسيدة خديجة رضي الله عنها في سوق حباشة، وهي السوق التي قامت في الجاهلية كأسواق (عكاظ ومجنة وذي المجاز) وآخر سوق من أسواقها اندثرت، حيث استمرت حتى عام (197هـ). لعل المصدر الأشهَر الذي يستند إليه الباحثون في تحديد موقع السوق ما أورده الأزرقي، وفيه: «حباشة سوق الأزد وهي في ديار الأوصام من بارق من صَدْر -صَدَد- قنونا وحَلي من ناحية اليمن وهي من مكة على ست ليالٍ». وحول نص الأزرقي هذا تكاثرت التأويلات والتفسيرات، خصوصًا ونَصُّه أحاط بمساحة جغرافية شاسعة؛ فهو جمع أماكن (بارق وقنونا وحلي) وهذه الأماكن الثلاثة تُشكِّل رؤوس مثلث يتراوح طول كل ضلع ما بين (٦٠-٧٠ كم) هوائيًّا، ولذا كان وصف الأزرقي مشتِّتًا، وفيه ثغرات دلف منها باحثو كل جهة وتحجَّجُوا بها على مكان السوق. ما أثار قضية السوق مجددًا هو ما بثته -منذ شهر- إذاعة القرآن الكريم عبر برنامجها الصباحي (اللهم بك أصبحنا)، وفيه تحدَّث الباحث التاريخي (أحمد البارقي) عن السوق
( https://www.youtube.com/watch?v=qcWT1e7I2rI )
مؤكِّدًا وجودها في بارق، وأنه تم تسجيلها لدى هيئة السياحة والتراث الوطني، وهو ما دعا الباحث التاريخي (عبدالله الرزقي) للرد بإبرازه الشواهد المتكاثرة على وجود السوق في قنونا
( https://www.youtube.com/watch?v=zI4pd3XfVd0 ).
وعليه، فبدلًا من ترك الأمر لسيل التجاذبات بين الباحثِين والمهتمِّين بأمر السوق، فإن المؤمَّل من هيئة السياحة تشكيل (لجنة علمية موثوقة) تقف على الموقعَين، وتعاين الشواهد، وتستحضر الأدلة والقرائن وأقوال المؤرِّخِين والباحثِين الأوائل، مع ضرورة تواجد مؤرِّخِي وباحثِي المحافظتَين حتى يترجحَ لها المكانُ الحقيقي لسوق حباشة وتُقِرَّه.