يبدو أن قرار (مجلس القضاء الأعلى) القاضي بدمج محكمتَي (العرضية الجنوبية والعرضية الشمالية) بمنطقة مكة المكرمة، واستحداث محكمة جديدة بمسمى (المحكمة العامة في محافظة العرضيات) في حاجة إلى إعادة النظر من جوانب عدة:
فمحكمة العرضية الشمالية تخدم ما يقرب من (60000) نسمة ومثلها محكمة العرضية الجنوبية، ولذا فالعرضيتان -بهكذا كثافة سكانية- في حاجة ماسة لبقاء محكمتيهما (مستقلتَين) خصوصًا والمحكمتان لهما ما يزيد على (50) سنة تعملان بأقصى جهد لخدمة مواطنِي ومقيمِي العرضيتين. ودمج محكمتَي العرضيتين واستحداث محكمة محافظة العرضيات يضع المسألة أمام خيارين: الأول- وضع المحكمة المستحدثَة في محيط مقر محافظة العرضيات، وهنا يُعلَم أن ما تسمى بـ(محافظة العرضيات) ماهي إلا مبنى (وحيد) على رأس جبل، وفي موقع تضاريسي وَعْر، وليس في (محيطها القريب) مبانٍ ولا خدمات، ولا أي مرفق حكومي آخر، ما يعني صعوبة وضع المحكمة المستحدثة هناك حاليًّا. الخيار الآخر- يُبنى على الخيار الأول؛ فصعوبة وضع المحكمة المستحدثَة في محيط مقر المحافظة للأسباب المنطقية الآنفة يجعل المسألة أمام خيارين جديدين، إما وضع المحكمة المستحدَثة في العرضية الشمالية وهذا يوقع الضرر على مواطنِي العرضية الجنوبية، وإما وضعها في العرضية الجنوبية وهذا أيضًا يوقع الضرر على مواطنِي العرضية الشمالية، والأمر في الحالتين ضِرار.
إن دمج المحكمتين له تبعات لا مدى لها، ولو أن محيط المحافظة مؤهَّل بالخدمات، مأهول بالعمران والسكان والإدارات لهانَ الأمر، لكنَّ الواقع خلاف ذلك تمامًا، وبما أن وضع المحكمة المستحدثَة في نطاق المحافظة (يصعب على المدى القريب) فحتمًا سيكون مقرها في نطاق إحدى العرضيتين (الجنوبية أو الشمالية) مما يشق على أهالي العرضية الأخرى.
بقي خياران غائبان: الأول- بدهي، وهو الإبقاء على محكمتَي العرضيتين مع استحداث محكمة عامة للمحافظة بحيث يُبنى لها في محيط مقر المحافظة متى توافرت الإمكانات مستقبلاً. الخيار الآخر- الإبقاء على محكمتَي العرضيتين مع تصنيف إحداهما - بحسب ضوابط موضوعية منصفة- تحت مسمى (المحكمة العامة بالمحافظة) والأخرى تبقى بمسمى محكمة مركز خدمة لمواطني العرضيتين وتسهيلاً عليهم.
إن حيثيات الدمج يبدو أنها أتت نتيجةَ عدم ممارسة المحكمتين النظر في (القضايا الجنائية) كونهما غير جزائيتَين، غير أن تكليف المحكمتين -وفق القرار الأخير لمجلس القضاء الأعلى- بالنظر في القضايا بما في ذلك (القضايا الجنائية) ريثما يتم الدمج يعني ضمنًا قدرة المحكمتين -بوضعهما الراهن- على النظر في القضايا الجنائية مما يدحض مبررات الدمج ويعزز مبررات بقائهما.