كان الشباب و الفتيات في عصر السلف الصالح ينعمون بالتعلم و حفظ القرآن و الحديث و أمور دينهم و الشعر و كانوا يرعون الغنم و يذهبون للتجارة و يقومون بالزراعة و أيضا يذهب الشباب للجهاد و يجلسون بالأيام والليالي خارج ديارهم ، بالرغم إنهم كانوا يتزوجون مبكرا و لكن لم تلهيهم كل هذه الأعمال الشاقة و طلب العلم و الغربة في الجهاد عن بيوتهم و أسرتهم و التألف و المحبة التي كانوا يعيشونها كأسرة واحدة تنعم تحت سقف واحد .
و مع ذلك قد ترى شابا في العشرينات و متزوج بأربع نساء ولديه من الجاريات و السبايا و لكنك تجده مرتاح نفسيا و لايتشكى من الهموم و المشاكل وضيق الوقت لإنه منظم وقته بين زوجاته و يعطي كل إمراءة حقها الشرعي و لم تكن النساء يشتكين من حقوقهن ومن كثرة سفر ازواجهن لطلب الرزق والجهاد و لم يكن النساء يعترضن على فكرة تعدد الزوجات لإنهن يعلمن بإن ذلك من شرع الله و ليس لهن حق أن يعترضن على شرع الله مادام أن أزواجهن قائمين بحقوقهن الشرعية كاملة.
سبحان الله شتان بين زمان السلف و زماننا هذا الذي نجد فيه كثير من الشباب لايستطيع الزواج إلا بعد أن يتوظف ولابد أن يستمر في وظيفته مدة من العمر حتى يجمع تكاليف المهر و تكاليف ليلة الزواج من قصر و ذهب وغيرها و بعد أن يجمع تكاليف الزواج لابد له أن ينتظر ايضا لسنوات حتى يجمع المال من جديد ليبني بيت الزوجية .
و قد لاينتهي من كل هذه التكاليف و المعاناة إلا وقد خرج الشيب من رأسه و خارت قواه ، طبعا كل هذه التكاليف للزواج بزوجة واحدة فقط !!!
يعني يبغى له عشرات السنين زيادة على السنين الماضية حتى يتزوج الزوجة الثانية .
شتان بين عصر السلف الذي كان فيه الأب يبحث لفتاته عن الزوج الصالح الذي يعينها على طاعة الله ، و بين عصرنا الذي فيه الاب يكلف زوج بنته بمهر غالي و تكاليف باهضة السعر ، كل ذلك من أجل أن يتفاخر ببنته أمام قبيلته بإنها غالية وليست رخيصة !!!
أين هذا الأب وفتاته عن فاطمة بنت محمد رضي الله عنها سيدة نساء اهل الجنة التي تزوجها علي بن ابي طالب رضي الله عنه و كان مهرها درع لايملك سواه .
وشتان بين هذا الأب الذي يريد الرياء و السمعة و بين الإمام العالم الزاهد سعيد بن المسيب رضي الله عنه الذي زوج بنته التي كانت جميلة جدا و حافظه لكتاب الله وسنة نبيه بأحد طلابه و اسمه ابن أبي وداعه ، الذي فقده سعيد ابن المسيب ذات يوم و لم يجده .....ولندع ابن ابي وداعه رحمه الله يحكي قصته بنفسه، كما جاءت في طبقات ابن سعد (5/138)، وحلية الأولياء (2/167)
"قال ابن أبي وداعة: كنت أجالس سعيد بن المسيب ففقدني أيامًا، فلما جئته قال: أين كنت؟
قلت: توفيت أهلي فاشتغلت بها
فقال سعيد: ألا أخبرتنا فشهدناها، ثم أردت أن أقوم فقال: هل استحدثت امرأة؟
فقلت: يرحمك الله، ومن يزوجني، وما أملك إلا درهمين أو ثلاثة؟
قال سعيد: أنا. فقلت: أوَ تفعل؟ قال: نعم، ثم حمد الله وصلى على نبي الله محمد وزوجني على درهمين.
فقمت وما أدري ما أصنع من الفرح، فصرت إلى منزلي وجعلت أفكر ممن آخذ وممن أستدين؟ فصليت المغرب
وانصرفت إلى منزلي، وكنت صائمًا فقدمت عشائي وكان خبزًا وزيتًا، فإذا بالباب يقرع، فقلت: من هذا؟
فقال: سعيد، ففكرت في كل إنسان اسمه سعيد إلا سعيد بن المسيب، فإنه لم يرى أربعين سنة إلا بين بيته والمسجد،
فقمت فخرجت فإذا سعيد بن المسيب، فظننت أنه قد بدا له الرجوع عن زواجي، فقلت: يا أبا محمد ألا أرسلت إليّ ؛فآتيك؟
قال: لا، أنت أحق أن تؤتى, فقال: إنك كنت رجلاً عزبا لا زوج لك، فكرهت أن تبيت الليلة وحدك، وهذه امرأتك، فإذا هي قائمة من خلفه في طوله، ثم أخذها بيدها فدفعها بالباب ورد الباب، فسقطت المرأة من الحياء، فاستوثقت من الباب"
مع العلم إن الخليفة عبدالملك بن مروان خطبها لولده ولي عهده الوليد ولكن سعيد إبن المسيب رفض أن يزوجها أياه لإنه يبحث لها عن رجل صالح .
و اختم مقالتي برسالة إلى اباء الفتيات الذين يبحثون عن المال
لقد قال تعالى :
{وَأَنكِحُوا الْأَيَامَىٰ مِنكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ ۚ إِن يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ ۗ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} [النور : 32]
و إلى الفتاة التي تتأخر عن الزواج بحجة الدراسة ، فالدراسة لم تكن يوما عائقا أمام التعلم والنجاح فزوجات الرسول و الصحابيات تزوجوا و هن صغيرات و لم يعيقهن الزواج عن تعلم القران والحديث و أمور الدين .
ورسالتي أيضا إلى الفتاة (المسكينة) التي تحلم كثيرا حتى إنها قد تحلم بإن قيس بن ملوح سوف يأتيها على حماره الأبيض ليخطبها من أبيها !!
عزيزتي كوني عقلانية و واقعية بدلا من الحلم الذي أنتي تعيشي فيه ، المثل يقول "خطيب باليد و لاعشرة على الشجرة"
و أحذري على نفسك من فتنة العنوسة التي ربما تجرك إلى أشياء ليست بالحسبان .
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( إِذَا خَطَبَ إِلَيْكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَزَوِّجُوهُ، إِلَّا تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ ، وَفَسَادٌ عَرِيضٌ ) وحسنه الألباني في "صحيح الترمذي" .
التعليقات 10
10 pings
إنتقل إلى نموذج التعليقات ↓
أبو الحسين
2015/12/05 في 2:59 ص[3] رابط التعليق
كلام في الصميم ?
(0)
(0)
ابو جابر
2015/12/05 في 3:53 ص[3] رابط التعليق
جزاك الله خير يا شيخ عبدالرحمن ووالله انك تقهقه في مجتمع لا يفقه
والله يعييننا نجمع المهر ونقشط ونربح
وعساك على القرةوه
(0)
(0)
محمد المنتشري
2015/12/05 في 5:10 ص[3] رابط التعليق
يعطيك العافيه ع المقال و نرجو منك ان تعطينا مقال اسبوعي
(0)
(0)
sam
2015/12/05 في 5:27 ص[3] رابط التعليق
good luck abdulrhman … and I waiting the next
(0)
(0)
سووو
2015/12/05 في 7:57 ص[3] رابط التعليق
المقال مره جميل يــــا عبدالرحمن?
(0)
(0)
مجهوووووله
2015/12/05 في 8:04 ص[3] رابط التعليق
وااو صراحه حلو ،، مثل ماتعودنا عليك يا عبدالرحمن مقالات جمييييله وكلام اروع..
و استمر بالتوفيق ٱن شـَاءِ اللـہ وياليت تكثر من مقالاتك ذي. ☺️?
(0)
(0)
محمد المنتشري
2015/12/05 في 2:32 م[3] رابط التعليق
احسنت وبداية موفقة أخ عبدالرحمن لكن لايمكن المقارنة اطلاقاً بين زمن تستطيع ان تكسب قوت يومك من صنعة بسيطة وظل باقي وقت يومك تملكه اما من ناحية المعيشة فغالباً ستتناول ماحصدت يداك من محصول ومن ناحية السكن بيت من الحجر والطين يكفيك ، اما في هذا الزمن فتحتاج الى وظيفة غالباً تكون براتب ضعيف مقابل هذا التضخم في الاقتصاد ساعات عملك ستكون اعلى من ٨ ساعات وبناء منزل سيكلفك الكثير لذلك لا ارى انك اصبت في اوجه المقارنة ماعدا اسعار المهور المبالغ فيها ، تقبل مروري ?
(0)
(0)
بدر المنتشري
2015/12/06 في 2:20 ص[3] رابط التعليق
مقال جميل و فالصميم ، وفقك الله وننتظر جديدك .
(0)
(0)
العطيفي
2015/12/25 في 1:48 م[3] رابط التعليق
كلام عين الصواب… الى الامام
(0)
(0)
..
2016/04/21 في 11:19 ص[3] رابط التعليق
اخي عبدالرحمن انت تتكلم عن قضية الاب وغلاء المهور والفتاه التي ترفض الزواج بحجة الدراسه وفي نفس الوقت قارنت بين الحال سابقا والان ومع انه لا يوجد اي مجال للمقارنه , تحتاج لان تطور نفسك ف المقال موضوع محدد وليس الخوض في عدة مسائل في مقال واحد .. اتمنى لك ان تطور مقدرتك بشكل اكبر والله ولي التوفيق والقادر عليه
(0)
(0)