في مساءٍ خيم عليه الحزن، وذرفت فيه وادي الدواسر دموع الفقد، رحل عن دنيانا الأخ والصديق العزيز مبارك بن عبدالله بن مبارك آل نوار اللويمي، مساء يوم الجمعة 23 محرم 1447هـ، إثر أزمة قلبية مفاجئة، فخطفه الموت منا في لحظة، ليترك فراغاً في القلب، وذكريات لا تموت.
منذ أن عرفته، جمعتني به أخوة صادقة وصداقة راسخة، لا يشوبها تكلّف ولا تخدشها الأيام؛ كان مبارك ـ رحمه الله ـ إنساناً نادراً في هذا الزمن المتسارع، ثابتاً في مواقفه، مخلصاً في علاقاته، وفياً في صداقتهP رجلٌ إنْ وعد وفى، وإن أعطى زاد في الكرم، وإن سئل عن الدين تجده في أول الصفوف، لا تفوته صلاة، ولا تغيب عنه سنة، دائم الذكر، رطب اللسان بذكر الله، عفيف النفس، نقي السريرة، محب للخير، ومبادر في فعله.
جنازته وحدها كانت شهادة ناطقة على ما تركه من أثر عميق في قلوب الناس، فقد اكتظ جامع متعب يوم السبت 24 محرم 1447هـ بالمُصلّين الذين جاؤوا من كل صوبٍ وحدب، ليصلّوا عليه، ويمشوا معه مشيته الأخيرة نحو مقبرة النويعمة، يودعونه بالبكاء والدعاء، ويؤبّنونه بقلوبٍ كسيرة، ودموع لا تكذب.
ما إن تذكره حتى تحضر في ذهنك صفات الفزعة والمروءة، فقد كان سبّاقاً لمساعدة المحتاج، مفرجاً للكرب، ساعياً في قضاء الحوائج بصمت وتواضع؛ لا يعرف التردد حين يتعلق الأمر بمدّ يد العون، يترك مجلسه إن علم أن هناك من يحتاجه، لا ينتظر شكراً ولا يعرف مَنّاً؛ وكل من عرفه، كان يشعر وكأنه الأقرب إلى قلبه، من فرط تواضعه ودفء مشاعره.
لم يكن يتوانى في صلة رحمه، ويحرص على التواصل مع من عرفهم منذ أيام الدراسة وحتى وفاته؛ لم ينقطع، لم يتكبر، لم يتبدّل، يطرق أبوابهم، يطمئن على أحوالهم، يواسيهم في أحزانهم، ويشاركهم أفراحهم، وكأنه خيطٌ ناعم من الوفاء يربط بين القلوب.
يا وادي الدواسر، كم فقدت من رجالاتك، وكم ودّعت من الأوفياء، لكن رحيل مبارك كان موجعاً بشكل مختلف، لأننا فقدنا فيه الأخ قبل أن يكون الصديق، والعزيز قبل أن يكون الرفيق، والوفيّ الذي لم يكن ينتظر جزاء ولا شكوراً.
رحمك الله يا أبا عبدالله، وجعل ما قدمت في ميزان حسناتك، وألهم أهلك ومحبيك الصبر والثبات؛ إنا لله وإنا إليه راجعون.
مبارك بن عوض الدوسري
@mawdd3