حين نُطلق على محافظة وادي الدواسر اسم “الكنز الرياضي المجهول”، فنحن لا نبالغ، بل نكشف حقيقة ساطعة يجهلها كثير من صُنّاع القرار في القطاع الرياضي، وتغفل عنها أعين كشافة الأندية الكبرى، الذين – للأسف – لا يصلون إلى هذه المحافظة الغنية بالمواهب، رغم أن شواهد التألق والنجومية التي خرجت منها لا تُعد ولا تُحصى؛ فمحافظة وادي الدواسر التي تقع جنوب العاصمة الرياض بيئة خصبة للمواهب الشابة في مختلف الألعاب، لا سيما كرة القدم وألعاب القوى وكرة اليد والسلة؛ إلا أن ما يحزن المتابع الرياضي أن هذه المواهب تظل رهينة الملاعب الشعبية، ودوري المدارس، والأندية المحلية “الوادي” و”الصحاري”، دون أن تحظى بفرص حقيقية للاحتراف أو التمثيل الوطني بسبب غياب كشافي الأندية عن الحضور، والرصد، والمتابعة.
ولمن لا يعرف تاريخ وادي الدواسر الرياضي، فإن أسماءً كبيرة في سجل الرياضة السعودية خرجت من هذه المحافظة، ورفعت راية الوطن عالياً، فقبل عقود سطع نجم الكابتن مبارك آل غلفيص، أحد أبرز قادة نادي الشباب والمنتخب السعودي لكرة القدم في التسعينات الهجرية، والذي ترك بصمة لا تُنسى في الذاكرة الرياضية.
وفي مجال كرة اليد، كان لـوادي الدواسر باع طويل، بفضل لاعبين مميزين مثل حماد دجين كابتن المنتخب السعودي ونادي الهلال، وفايز العليان حارس الهلال البارز، وسعيد العبدي – رحمه الله – لاعب الشباب، والذين شكّلوا نواة ذهبية للمنتخبات الوطنية في فترات مختلفة.
أما في ألعاب القوى، فقد أبدع ابن الوادي محمد براك الدوسري في المسافات الطويلة والمتوسطة، وحقق إنجازات كبيرة، قبل أن يتبعه ابن أخيه مازن بن حسن الدوسري – رحمه الله – الذي برز في مضمار ألعاب القوى لذوي الإعاقة الحركية، ومثّل المنتخب السعودي خير تمثيل.
ولا يمكن أن نغفل اسم اللاعب عبدالله آل غلفيص في كرة اليد بنادي الشباب، ولا شقيقه منصور آل غلفيص في كرة السلة بنفس النادي، الذين حملا راية المحافظة في محافل رياضية متعددة؛ ومن الأسماء التي نفتخر بها أيضاً، الحكم الدولي المعروف ناصر الحمدان، الذي كانت له صولات وجولات في الملاعب المحلية والدولية، وكان رمزاً للتحكيم العادل والانضباطي.
أما الجيل الرياضي الحالي، فلم يكن أقل عطاءً، بل استمر عطاء أبناء وادي الدواسر في الظهور والتميز، حيث انضم عدد منهم إلى أندية الدوري السعودي للمحترفين والدرجات المختلفة، ومن أبرزهم: بندر مصيعط لاعب نادي سدوس ومن ثم المجزل، ومرزوق سالم لاعب نادي الشباب، وسالم الصويلح لاعب نادي الشباب، وسعيد الملالي لاعب نادي الحزم، ولاعبي نادي النصر جمعان الملالي، وعبدالله شبيب، ولاعب نادي الرائد محمد جبران.
كل هذه الأسماء وغيرها مما لم يُذكر، تمثّل شواهد حيّة على غزارة المواهب التي تحتضنها هذه المحافظة، رغم ندرة الفرص وغياب منظومة الكشافة الرياضية عن أداء دورها الحيوي في استكشاف وتوجيه هذه الطاقات نحو المسار الصحيح.
من المعلوم أن كشافي الأندية”، هم العيون التي تلتقط بذور النجومية، وهم من يُفترض أن يتنقلوا في الأحياء والمدن والمحافظات بحثاً عن لاعب يمتلك المهارة أو الموهبة أو الإمكانات التي يمكن تطويرها؛ لكن الواقع المؤسف أن هؤلاء الكشافة باتوا محصورين في محيط الأندية الحضرية، تاركين خلفهم مدناً غنية كالذهب – كوادي الدواسر – دون متابعة أو اهتمام.
الكشاف المحترف لا يبحث فقط عن اللاعب الجاهز، بل يقرأ المؤشرات المبكرة للموهبة، ويتنبأ بمن سيكون له شأن إن أُحسن تدريبه وصقل مهاراته؛ وهذا ما تحتاجه وادي الدواسر: أن يُمنح أبناؤها الفرصة، وأن تُبنى أكاديميات متخصصة، وأن تتبنى وزارة الرياضة واتحادات الألعاب آلية عادلة لرصد هذه المواهب من جميع مناطق المملكة، دون تحيّز للموقع الجغرافي أو شهرة النادي.
شخصياً، عايشت المنافسات الرياضية التي كانت تنظمها وزارة المعارف – آنذاك – بين أعوام 1399هـ و1401هـ، وكنّا نحقق الميداليات الذهبية والفضية في ألعاب القوى، متفوقين على فرق مناطق أكبر وأكثر تجهيزاً، بفضل الإصرار والمواهب الفطرية، لا الإمكانيات.
إن ما تحتاجه محافظة وادي الدواسر ليس أكثر من عدالة الفرص، ورؤية وطنية تُنصف المناطق الطرفية، وتُدرك أن المواهب لا تُولد في المدن الكبرى فقط، بل قد تجد لاعباً من طراز نادر في مدرسة نائية أو ملعب ترابي على أطراف الصحراء.
وادي الدواسر قالت كلمتها مراراً.. ونجومها رفعوا راية الوطن في مختلف المحافل، لكن الدور الآن على الكشافة والمسؤولين، ليعيدوا فتح أعينهم نحو الجنوب، حيث المستقبل يُصنع بصمت، والنجومية تنتظر من يُنير لها الطريق.

 

 

مبارك بن عوض الدوسري
@mawdd3

أضف تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *