في البداية، إنه الشاعر الذي كلما أعدت قراءته اكتشفت عالما جديد من عوالمه الشعرية والفكرية، إنه الشاعر والناقد الذي يجيد العربية والفرنسية أيضا، أدونيس يمتلك الفرنسية بشكل كامل وهو امتداد لحركة شعرية جديدة بدأت بالسياب اسمه الكامل علي أحمد سعيد اسبر وقد أطلق على نفسه لقب ( أدونيس) تيمنا بالاسطورة الفينيقية وهو يمتلك أدوات خاصة في الكتابة من التفكيكية إلى السيميائية وسيرته تحكي خلاصة عصر بكاملة.
مع هذا الناقد الحداثي والشاعر المتألق لاحاجة للتعريف فقد حصد هذا الشاعر الكثير من الجوائز والتكريمات وظلت أطروحته للدكتوراه ( الثابت والمتحول) مثار جدل إلى يومنا هذا وقد كتب كثيرا وقرأ كثيرا لكننا عبثا سنحاول في هذا المقال أن نلقي الضوء على شعر وأدب أدونيس بالرغم من أن هذا العمل شاق وطويل وبحاجة لمجلدات بحالها حتى نحيط بالموضوع بشكل كامل.
هناك الكثير من المؤثرات والمرجعيات التي كانت أعمدة البناء في النقد الادونيسي للشعر والأدب علما بأنه كتب العديد من المختارات بمساعدة زوجته الناقدة الدكتوره خالده سعيد وذلك في كتبه مختارات من شعر الرصافي ومختارات من محمد عبده ومختارات من عبد الرحمن الكواكبي ومختارات من محمد رشيد رضا ومختارات من شعر الزهاوي ومختارات من الامام المجدد محمد بن عبد الوهاب. وأما بالنسبة للمرجعيات الفكرية والنقدية التي ارتكز عليها الفكر الادونيسي فهي الخطاب الفلسفي الأوروبي وشعرية باشلار ورولان بارت وخطاب التفكيك الفوكوي والنظرية النقدية الألمانية إضافة إلى أن تأثير محمد عابد الجابري ومحمد أركون يظهر جليا في كتابات أدونيس ككتاب ( الشعرية العربية).
ساحر الغبار يجول في ملكوت الريح، نعم، لقد اختار مدينة بيروت لتكون مكان ولادته الشعرية فأسس مع صديقة يوسف الخال مجلة شعر وبعدها مواقف لتكون الأرضية التي يغرس فيها شجرته الشعرية النثرية ومشروعة النقدي والفكري لكي يقول مايعرف عن القرية الصغيرة التي ولد بها وهي قصابين وصولا إلى باريس مرورا ببيروت، إنه مسافر باستمرار، دائم الحركة والتطور، مجهد أحيانا لكنه مكابر. كتب العديد من الدواوين الشعرية كأغاني مهيار الدمشقي وقصائد أولى وأوراق في الريح.
يقول ( من يعيد تقييم الثقافة العربية اليوم، وبخاصة في ماضيها، هو كمن يسير في أرض ملغومة يجد نفسه محاصرا بالمسلمات، بالقناعات التي لاتتزحزح، بالانحيازات، بالاحكام المسبقة، وهذه كلها تتناسل في الممارسة شكوكا واتهامات وانواعا قاتلة من التعصب، فليس الماضي هو من يسود الحاضر، بقدر ماتسوده صوره مظلمة تتكون باسم هذا الماضي)
مايزيد على خمسة عقود من الزمن أمضاها أدونيس في البحث عن الهوية الفكرية. أمضاها باحثا عن قصيدته التي يحلم بكتابتها وباحثا عن مشروعه الفكري والثقافي الذي كتبه ودونه بين شجيرات الأرز في لبنان عن منفاه المكاني من ضيعته قصابين إلى مدينة باريس وعن منفاه الآخر الفكري والثقافي الذي تركه في قصائدة كقصيدة ( الوقت)
يظل السؤال القائم :- هل أدونيس ملحدا؟ وهل هو ضد الدين؟ خصوصا أنه كان يدعو إلى ثورة داخل الدين الإسلامي وكان ينتقد الدين بعنف إضافة إلى أنه اعتبر أن كل الشعراء العرب وخص بالذكر أبو نواس كانو لا دينيين مما يؤكد على إلحاد أدونيس. كما كتبت ابنته نينار اسبر حوارات مع والدها قالت فيها إن والدها كان بعيدا كل البعد عن الدين.
احتفل الشاعر العربي الكبير أدونيس بعامه التسعين وشاركه في عيد الميلاد الكثير من الشعراء الفرنسيين والعرب الذين أكدوا أن الشاعر العربي المرشح دوما للفوز بجائزة نوبل في الأدب كان علامة فارقة في أدبنا المعاصر إضافة إلى أنه نقل الشعر العربي من دائرته العربية إلى العالم أجمع فكان سفيرا للقصيدة العربية وقد نقلها إلى العالم أجمع.