قبل عقدين من الزمن، لم يكن أمامنا إلا إعلام مقروء بأعمدة ساخنة، وتحليلات مراسلين، ورغم محدودية الخيارات كنا مستمتعين معهم بما كتبه الله لنا، بل كنا طوابير بعد صلاة الفجر عند مكاتب التوزيع لأخذ نسخة من جرائد الصباح.
يومها كانت الكتابات رغم أهميتها وانتشارها وقوة تأثيرها وما تحظى به من دعم، إلا أنها ملتزمة بحدود الإثارة وخطوطها الحمراء.
عشنا بعد تلك الطفرة الورقية تحولاً للإعلام الرياضي باتجاه الفضاء الذي نال من الحرية ما الله به عليم، بوجود قنوات تجارية ذات اهتمام ربحي جعلها تتنازل عن بعض بروتوكولات قنوات الحكومة، لذلك رأينا صياحاً وصراخاً، ومناوشاتٍ وهوشات تقتات من خلالها القنوات على إعلانٍ باهظ الثمن.
إلى هذه اللحظة التي تقرؤون فيها المقال ما زال هذا النوع هو المسيطر بقوته ومتابعيه ما بين مؤيد ومعارض للمقدم والضيوف، حسب ميول المتلقي ونظرته للبرنامج من زواياه العاطفية، وزاد من انتشار تلك البرامج أن وراءها دهاة عرفوا مربط الفرس، وفرقوا بين الحياد الذي لا يؤكلهم عيشاً، وبين إثارة تدر عليهم ذهباً، وللبقاء يستخدم بعضهم (التعصب) بقدرٍ بسيط كاستخدام الطب لقليلٍ من السم دواءً، بعكس آخرين منهم يسقونه للجمهور كمن يريد قتلهم.
كل ما سبق لا يختلف عليه اثنان، لكن الجديد هو إعلام رياضي قادم، بثوبٍ فتّانٍ وساحر، بدأ يسحب البساط منهم بفضل إعلاميين أوجدوا لأنفسهم مساحات ليلية في عالم تويتر، استغلوا فيها قدرة شبابية أذهلتهم وفاقت توقعاتهم من جماهير واعية ذات ذوق رياضي عالٍ، وخبرة بالأرقام والإحصائيات تترجمها لغة بسيطة يفضلها المستمع، مع قدرة هائلة على التحليل وكأنهم دربوا مع جوارديولا ومورينيو أو تدربوا على أيديهم.
كنت أعتقد بأن برامج الساعة الحادية عشرة هي آخر محطات الإعلام الرياضي، وأن التعصب بات المحرك الوحيد للإثارة، لكن بعد أن أخذني صديقي حامد القرني معه ـ دون علمه ـ للمساحات، اكتشفت لأول مرة بأنه محلل ومؤرخ تتسابق عليه المساحات المثيرة ـ دون هياطٍ منه أو قدحٍ وجرح في تاريخ أي نادٍ آخر ـ مع تحكم رفيع المستوى من (مضيفين) غالباً ما يفرقون بين الانتماء والتعصب.
يوماً ما كان (تويتر) على هوامشنا الاجتماعية، حتى لوى أعناقنا إليه صاحب السمو الملكي رئيس الهلال -آنذاك- الأمير عبدالرحمن بن مساعد، والذي هو بنفسه جعل من إحدى المساحات محط الأنظار ليكون عدد ضيوفها بالآلاف، باستضافة ذكية لم تخدم المساحة بعينها فقط، بل كانت الإذن ببداية ثورة إعلامية جديدة لعالم المساحات تنبئ بمستقبل أتوقع أنه سيكتسح ما قبله.
توقيعي:
المساحة هي سهرة صباحية، مع كوبٍ من الشاي، تتابع فيها من تشاء وتنتقد متى ما تشاء، وبضغطة زر تصبح أنت المحلل والناقد.