حين قامت الهيئة العامة للسياحة والآثار بترميز موقع سوق حُباشة واستلامه رسميًا، كنت أظن أن الاختلاف في تحديد موقعه سينهي جدل المؤرخين الحاليين، علمًا بأن المؤرخين القدامى أيضًا اختلفوا في تحديد موقعه بشكل دقيق، فالمؤرخ الأزرقي في كتابه «أخبار مكة» أورد بأن السوق في ديار الأوصام من بارق من صدر قنونا وحلي، وهما واديان في سهول تهامة.

أما الباحث سعد الماضي قال في محاضرة له: إن سوق حباشة بين مجرى واديي شرى والحباب أي في شمال بارق، والمؤرخون مثل البكري في كتابه «معجم ما استعجم» والهمداني في «صفة جزيرة العرب» أما حسن الفقيه والباحث عبدالله الرزقي أشارا في دراستيهما بأن سوق حباشة في صدر وادي قنونا والتحديد قريبًا من الفائجة، واتفق مع هذا الرأي عبدالله أبو داهش وغيثان الجريسي، ولمّا كان السوق بهذه القيمة التاريخية إذ يُعد من أشهر أسواق العرب في الجاهلية تجتمع فيه القبائل الأزدية وغيرها مرة كل عام مدة ثمانية أيام من هلال شهر رجب، يحضره الشعراء لإلقاء القصيد والتجار للبيع والشراء.

وميزة السوق أن النبي محمد بن عبدالله -صلى الله عليه وسلم- باع واشترى لصالح السيدة خديجة بنت خويلد قبل البعثة النبوية وبقي السوق عامرًا حتى تم تخريبه في نهاية القرن الثاني الهجري.

إذن السوق يحمل قيمة تاريخية بارزة، وأحسنت هيئة السياحة في تحديد مكانه بناء على حيثيات تتعلق بآراء ودراسات للمؤرخين القدامى والحاليين، إلا أنه يثار بين الحين والآخر بأن موقعه المحدد حاليًا غير دقيق، كما أشار الباحث سعد الماضي، وهنا اقترح عقد لقاء علمي يشارك فيه نخب من المختصين في التاريخ والآثار تحت مظلة جامعتي الملك خالد وجامعة الباحة لتحديد الموقع دون تضارب الآراء وتنازع الأخبار، كما نتمنى من الجهات المعنية سرعة المبادرة بإعادة إحياء سوق حباشة التاريخي على غرار سوق عكاظ بتنظيم فعاليات وتنفيذ برامج جاذبة ليصبح السوق مزارًا سياحيًا وتاريخيًا وتراثيًا.

إن وجود أكثر من رافد يُعد أحد المكتسيات التاريخية والأثرية والاقتصادية والسياحية، خصوصًا وأن «رؤية 2030» حوت في مضامينها الاهتمام بالمواقع التاريخية والأثرية بل بدأت بالفعل في ترميم وإعادة تأهيل مساجد تاريخية في كل مناطق السعودية، واهتمت أيضًا بالموقع الأثري «مدائن صالح» ليتوافد السياح من كل أنحاء العالم، رؤية ميدانية لبقايا حقبة تاريخية متمثلة في المنازل المحفورة في داخل الجبال، وهنا نقول: إن سوق حباشة جدير بالالتفات إليه بصفته أحد أشهر أسواق العرب في سهول تهامة.