يعتقد أن أسلافنا طوروا رؤية اللون الأحمر والأخضر لغرض وحيد، هو التمييز بين فاكهة حمراء ناضجة أو تلك الخضراء التي لم تنضج بعد، ومن ثم ربط هذه الألوان بمواسم الزراعة، وربما لم يدر بخلد هؤلاء أن نستخدم هذه الألوان الآن للتفرقة أيضًا بين القيم الغذائية، وكذلك لم يتخيلوا أن نرى تلك المزروعات حول العالم على رفوف المتاجر طوال العام، غير مرتبطة بالزمان والمكان والموسم أو أن نتحكم في بعض مواصفاتها من خلال العلوم الحديثة.
ففي غضون وقت ليس طويلًا نسبيًّا، اكتسبنا وصولًا غير مسبوق إلى الفاكهة الحلوة، والآن تنقل بعض هذه المزروعات من المناطق الاستوائية إلي شمال وجنوب الكرة الأرضية والعكس، مع إمكانية هندستها؛ لتكون الثمار أكبر ولتحتوي على سكر أكثر من أي وقت مضى في التاريخ.
ويعتبر الفركتوز على وجه الخصوص السكر الموجود بشكل طبيعي في الفاكهة بمثابة الإشكالية، فكثيرًا ما يُقال لنا إنه لا بأس به، حتى مع استهلاك ثمار بعدد غير محدود، لكن بالنظر إلى ما حدث من تطور، فقد تكون الفاكهة المزروعة اليوم خاصة عالية السكر، بارعة بشكل فريد في خداع أجسادنا.
فقد توصل العلماء إلى أن امتصاص الفركتوز يضعف عند استهلاكه بكميات كبيرة، وفي حين أن هذا قد يبدو إيجابيًّا بشكل ما، إلا أن الفركتوز الزائد المتبقي في القناة الهضمية يؤدي إلى العديد من الأعراض غير السارة، كالانتفاخ والتقلصات والإسهال وصولًا إلى أعراض متلازمة القولون العصبي، وتآكل بطانة القناة الهضمية والأمعاء؛ حيث إن الفركتوز المركز قادر على إحداث ثقب بها وزيادة نفاذية الأمعاء، عندما تسمح بطانة القناة الهضمية بتسريب المكونات البكتيرية الالتهابية من القناة الهضمية إلى الدورة الدموية، ويمكن أن يسبب ذلك أيضًا أعراض الاكتئاب والقلق؛ حيث إنه يحفز جهاز المناعة في الدماغ والجسم إلى وضعه في حالة تأهب قصوى.
وقد ربطت بعض الدراسات بين زيادة تناول الفاكهة لدى كبار السن، والبالغين الأصحاء مع صغر حجم مراكز الذاكرة، ودراسة أخرى وجدت علاقة عكسية بين مدخول الفاكهة وحجم قشرة الدماغ؛ حيث لاحظ الباحثون أن الاستهلاك المفرط للفاكهة عالية السكر، مثل التين، التمر، المانجو، الموز والأناناس قد يحفز الاضطرابات الأيضية والإدراكية.
ولكن لحسن الحظ تعد الفواكه قليلة السكر كجوز الهند، الأفوكادو، الزيتون، الكاكاو من بين أكثر البدائل الجيدة، وهذا لا يعني أن الشكولاتة كالثمرة، لكن الشكولاتة الداكنة لديها فوائد لا تعد ولا تحصى في الدماغ وهي واحدة من الأغذية العبقرية، كما يعتبر التوت رائعًا؛ لأنه لا يحتوي فقط على نسبة منخفضة من الفركتوز، لكنه يحتوي أيضًا على نسبة مرتفعة من بعض مضادات الأكسدة التي لها تأثير على تعزيز الذاكرة ومكافحة الشيخوخة، وقد وجدت دراسة استقصائية طويلة الأمد أجريت على 120 ألف شخص، أن أولئك الذين تناولوا التوت بشكل مستمر ومتوازن، أظهرت عمليات المسح الطبي أن لديهم أدمغة تبدو أصغر سنًا بنحو عامين ونصف العام، وفي حين أنه لم يعثر على أي ارتباط بين إجمالي مدخول الفاكهة وخفض خطر الإصابة بالخرف، كان استهلاك التوت هو الاستثناء الوحيد.