يتطاير دُخان كوب القهوة ويتشكل على هيئة وجع
النوافذ مُغلقة ، الشوارعُ فارغة لكني أشعُر أني ممُتلئة ، ممتلئة في داخلي ومُكتضة بالوحدة .
كيف يستبدل الشخص أوجاعه بضحكةٍ ما ؟
كيف يقول للأيام السعيدة بأن تعالي بينما هيَ رافضة؟
بودي لو أن أتحرر من سِجن هذهِ الوحدة ، أن أراها تنتعل حِذائها وتُغادر عني للأبد ، أن تكُف الأطياف عن الخروج أمامي ، أن أتخلص من كُل هذا وأعودُ لنفسي مرةً أُخرى كما كُنت وكما وددت !
لطالما شعرت أني لا أستحق هذا ، أني أردتُ العِوّض بكلمة ، بلمسة ،أو حتى حُضن لأشعر كم هم آسفون وأنهم لن يكرروا خطأهم مرةً أُخرى
هل يعود الغائبون ؟
هل يمتلكون منزلًا واسعًا يُسمى بمنزل الغياب؟
هل يرى الغائبون بعضهم ويلقون التحايا ويطمئنون بعضهم ويختارون جميعًا يومًا للعودة أم يتناوبون على ذلك؟ .
كنتُ أفتح أبواب منزلنا دائمًا علّكم تعودُوا يومًا ما ، علّ أيادي الغياب تُحرركم صدقوني سأشفع لكم عن كُل هذهِ الأيام التي كانت بدونكم لكن فقظ عودوا إلي ، عُد يا أبي لتُنير مصابيح المنزل ،
لتقول لي مرةً أُخرى أنك ستلتقط لي نجمةً كبيرة وتضعها عند سريري ، لتشتري لي المُثلجات والحلوى ، لتقول لي ياحلوتي أنا أُحبك ، عودي يا أمي فأنا أعدُكِ أني لن أتضجر مرةً أُخرى ، إشتقتُ للرغيف من يديكِ ، لرائحتكِ ، لضحكتكِ
فهل يوجدُ لونٌ آخر غير الأسود حين يغيبوا الآباء؟
هل يوجدُ وصفٌ آخر غير أني أشعُر بأني ميتة وأنا على قيد الحياة؟ .
أنتم أصبحتم الآن تسكنون في السماء
أخي سعد طيرًا يحلق في الجنة
أُختي جمانة تلعب في الأرجاء
أمي مُتكئة تأكل العنب وتضحك
أبي ينتظرُ مجيئي بفارغ الصبر
وأنا ! ، أنا هُنا أرفع كفيّ وأدعو حتى أشعُر أن دُعائي يتهيأُ على شكل طيفٍ ليلُم شملُنا كما كان ، لِنُصبح مرةً أخرى خمسة أفراد في الجنة وللأبد !.