[COLOR=#2316C9]ليس ثمة شك أن الحرب على القرآن الكريم قديمةً جديدة، فمنذ البواكير الأولى لنزول الكتاب العزيز، اندلعت نارها الحامية مع أول مواجهة مع الوثنية، فسجل القرآن الجولة الأولى من هذه الحرب الشرسة! واستمرت المعركة تشتد حينا، وتهدأ حينا آخر! ومن الهجمات القاسية التي تعرض لها القرآن زمن الحروب الصليبية، تلك الحملة المغرضة التي قام بها بعض المستشرقين،لكن، باءت كل هذه المحاولات بالفشل الذريع، وبقي القرآن مصانا محفوظا من كل سوء، “إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ” سورة الحجر: (9).
[COLOR=#0C0C00]ولقد صدر حديثا في القاهرة كتاب تحت عنوان كمال اللغة القرآنية بين حقائق الإعجاز وأوهام الخصوم للدكتور محمد داود أستاذ الدراسات اللغوية في جامعة قناة السويس المصرية . والكتاب كما وصفه مؤلفه شعاع ضوء يكشف ما أثير حول القرآن الكريم من شبهات لغوية ، مجيباً عن الأسئلة التالية : ما حقائق التحدي القرآني الخالد ؟ ، ما أسرار الهجوم على القرآن الكريم ؟ ، ما سر انتصار القرآن الكريم فكرياً على الرغم من هزائم المسلمين والعرب في العصر الحاضر ؟ ، كيف يزداد القرآن الكريم قوةً وتألقاً كلما زاد الهجوم عليه ؟ ، كيف انهارت الشبهات وتهاوت الافتراءات ؟ ، ما حقيقة كمال اللغة القرآنية ومنتهى تمامها عند الخصوم ؟ ، هل القرآن الكريم مثالٌ لعربية بلا شوائب ؟ ، أيهما يحكم على الآخر : العربية أم القرآن ؟ والكتاب دراسة لا تفكر في أن تفرض نفسها كنوع من العقيدة، نقبله بعيون مغمضة وبغير نقاش، فالقرآن الكريم نفسه هو الذي أدان الإكراه على الإيمان والعقائد: ” لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ” سورة البقرة: 256. ذلك لإن الإكراه على الإيمان لا يصنع الإنسان المؤمن، فالإيمان لا يفرض من الخارج، وكم أدان القرآن الكريم كل اتباع أعمى يلقي بزمامه إلى سلطة لا تستند إلى العقل أو إلى العلم، قال الله – عز وجل-: ” وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ ” سورة البقرة: 170. [/COLOR]
[COLOR=#175C06]استهل المؤلف دراسته مستعرضا تاريخ الحرب علي القرآن الكريم، وأشار إلي أن الحرب علي القرآن قديمة حديثة، بدأت منذ البواكير الأولي لنزول القرآن، وتطرق للهجمات الشرسة التي يتعرض لها القرآن منذ الحروب الصليبية عندما ألف المستشرقون كتاب دحض القرآن الكريم وكذا الهجمات المعاصرة من خلال الفضائيات والانترنت، حتي تأليف أمريكا كتاب الفرقان الحق الذي زعمت انه القرآن الحق!. يقول الدكتور داود: ومن يستعرض تاريخ القرآن عبر الزمان والمكان يجد أنَّ من بين خصائص هذا الكتاب المعجز، أنه كلما اشتد الهجوم عليه من معارضيه ومنكريه، ازداد تألُّقا وقوةً، إذ تقوم آيات القرآن على إقناع العقل، وبث الطمأنينة في القلب، وفضح الزيف والافتراء، حتى لا يبقى أمام المتمرد إلا أحد أمرين: إما أن يؤمن عن بينة، وإما أن يصد عن بينة. وتساءل المؤلف : لماذا الهجوم علي القرآن؟ وعاد ليجيب بأن إخفاق الغرب وعجزهم عن مواجهة الاسلام فكريا هو السبب الرئيس في ذلك، وأكد ان القرآن يزداد تألقا وقوة في وجه الافتراءات، وان الهجمات المعاصرة ستعود كغيرها لمصلحة القرآن، لأن الله تعالي هو الذي تولي حفظه “إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون” سورة الحجر: (9). [/COLOR]
واستطرد المؤلف موضحا كيف ان القرآن الكريم معجز، وتحدي الله به بلغاء العرب وفصحاءهم، وانتهي الي كمال اللغة القرآنية وتمامها في عيون الخصوم. وعبر ثلاثة فصول تضمنها الكتاب، تناول الدكتور داود صنوف الشبهات التي تعرض لها القرآن من شبهات نحوية وصرفية ودلالية وغيرها. ودارت معظم الشبهات النحوية حول المطابقة في العدد وفي النوع كمطابقة الخبر للمبتدأ، والضمير لما يعود عليه، والفعل لفاعله، والنعت لمنعوته، والعدد لمعدوده، والحال لصاحبها.. الخ بالاضافة الي الشبهات التي توهم وجود اخطاء في إعراب بعض الكلمات القرآنية، كنصب ما حقه الرفع، أو رفع ما حقه النصب.. الخ، وكذا شبهات تدعي وجود لبس في المعني ناشيء عن خلل أو اضطراب نحوي. القرآن والكلمات الأعجمية أما الشبهات الدلالية فتدور حول ادعاء بوجود ألفاظ غريبة وأخري أعجمية، وألفاظ خادشة للحياء!! هذه المسألة تُثار دوما للتشكيك في أن القرآن وحي من عند الله تعالى، والادعاء بأن النبيّ محمد تعلَّمه من غيره، وهو ادعاء قديم حكاه القرآن في قوله عزَّ وجلّ: «ولقد نعلم أنهم يقولون إنما يُعلِّمه بشرٌ لسان الذي يُلحدون إليه أعجميٌّ وهذا لسانٌ عربيٌّ مبين» سورةالنحل: 103.
[COLOR=#0D0D00]ولا خلاف بين العلماء على أنه ليس في القرآن كل مركب على أساليب غير العرب، وأن فيه أسماء أعلام غير عربية، كإسرائيل، وجبريل، وعمران، ونوح، ولوط، ولكنهم اختلفوا في مسألة: هل وقع في القرآن ألفاظ غير مفردة من غير كلام العرب، فذهب القاضي أبو بكر بن الطيب، وغيره إلى أن ذلك لا يوجد في القرآن، وأنه عربي صريح، وما وجد فيه من الألفاظ التي تُنسَبُ إلى سائر اللغات، إنما يتفق فيها أنْ تواردتْ اللغات عليها، فتكلَّمت بها العرب، والفرس، والأحباش، وغيرهم. في حين ذهب البعض الآخر إلى وجودها فيه، وأن تلك الألفاظ لقلتها لا تُخرج القرآن عن كونه عربياً مبينا، ولا تُخرج رسول الله (صلى الله عليه وسلم) عن كونه متكلماً بلسان قومه. قال في ذلك ابن عطية في تفسيره: فحقيقة العبارة عن هذه الألفاظ، أنها في الأصل أعجمية، لكن استعملتها العرب وعربتها، فهي عربيةٌ بهذا الوجه، وقد كان للعرب العاربة – التي نزل القرآنُ بلسانها – بعض مخالطة لسائر الألسنة، بتجاراتِ قريش، وكسفر مسافر بن عمرو إلى الشام، وسفر عمر بن الخطّاب، وعمرو بن العاص، وعمارة بن الوليد إلى الحبشة، وهكذا. [/COLOR]
وناقش الدكتور عبدالرحمن بدوي في كتابه «دفاع عن القرآن ضد منتقديه» مزاعم المستشرقين في هذا الصدد، فقال: لكي نفترض صحة هذه الزعم، فلاربد من أنّ محمداً كان يعرف العبرية، والسريانية، واليونانية، ولا بدَّ من أنه كان لديه مكتبةٌ عظيمةٌ، اشتملتْ على كل الأدب التلمودي، والأناجيل المسيحية، ومختلف كُتُب الصلوات، وقرارات المجامع الكنسية، وكذلك بعض أعمال الآباء اليونانيين، وكُتُب مختلف الكنائس، والمِلَل، والنِّحَل المسيحية. يضيف بدوي: وهل يمكن أن يعقل هذا الكلام الشاذ لهؤلاءِ الكتاب؟ وهو كلام لا برهان عليه. إنَّ حياة النبيّ محمدٍ (صلى الله عليه وسلم) قبل ظهور رسالته، وبعدها معروفةٌ للجميع، ولا أحد قديماً وحديثا يمكنه أن يؤكد أن النبي كان يعرف غير العربية! إذا، كيف يمكن أن يستفيد من هذه المصادر كما يدعون؟ والكل يتفق على أن اللغات العربية والعبرية والسريانية تنتمي إلى سلالة لغوية واحدة، هي سلالة اللغات السامية، ولا بد من أجل هذا أن يكون بينها الكثير من التشابه والتماثل! ومن ثم، فإن القول إن إحدى اللغات قد استعارت ألفاظا بعينها من أخواتها هو ضرب من التعسف لا دليل عليه!. ويمكن أن تكون هذه الألفاظ قد وجِدت في العربية قبل زمن النبي بوقتٍ طويل، واستقرَّتْ في اللغة العربية حتى أصبحت جزءاً منها، وصارت من مفرداتها التي يروج استخدامها بين العرب. وينتهي بدوي إلى أنه من المستحيل الآن – بسبب غموض تاريخ اللغات السامية أنْ نُحدِّد مَن اقتبس هذه الألفاظ المشتركة من الآخر: العربية أم العبرية.
[COLOR=#6D0E0E]من هنا، جاءت شهادة الدكتور موريس بوكاي للقرآن الكريم: كيف يمكن إنساناً – كان في بداية أمره أُميا – أن يصرح بحقائق ذات طابعٍ علمي، لم يكن في مقدور أي إنسان في ذلك العصر أن يكونها، وذلك من دون أن يكشف تصريحه عن أقلِّ خطأ من هذه الوجهة؟. ويدافع المؤرخ فيليب حتي عن أسلوب القرآن المدهش، فيقول: إن الأسلوب القرآني مختلف عن غيره، إنه لا يقبل المقارنة بأسلوبٍ آخر، ولا يمكن أنْ يُقَلَّدَ. وهذا في أساسه هو إعجاز القرآن… فمن جميع المعجزات كان القرآن المعجزةَ الكبرى. وإذا نظرنا إلى النسخة التي نُقِلتْ في عهد الملك جيمس من التوراة والإنجيل، وجدنا أنَّ الأثر الذي تركته اللغة الإنكليزية ضئيلٌ، إضافةً إلى الأثر الذي تركه القرآن على اللغة العربية! إنَّ القرآن هو الذي حفظ اللغة العربية، وصانها من أنْ تتمزَّقَ إلى لهجات.ويقول المستشرق ماسينيون: إن القرآن قادر على أن يدافع عن نفسه بنفسه، ففيه المنطق العلمي، وفيه القواعد الكلية المتينة المنتهية إلى نتائج حقيقية ساحرة، وفيه التفلسف العقلي، والخطاب البرهاني القاطع، وفيه الأسلوب الذي لا يمكن تقليده من جميع البشر، فهو ليس في حاجةٍ إلى دفاع المؤمنين به، ولا إلى إشادة المنصفين له، لأنه فوق قدرة البشر. [/COLOR]
كما تناول الدكتور داود شبهات بلاغية تدعي وجود الفاظ زائدة علي المعني، أو وجود تكرار في المعني بألفاظ مختلفة، أو تناقض أحيانا كإثبات الشيء مرة ونفيه اخري، أو تقييده مرة واطلاقه اخري. أما الشبهات العامة التي قام المؤلف بالرد عليها وتفنيدها فبعضها يدور حول الطعن في اعجاز القرآن وفصاحته، والزعم بأن اسلوبه لا يلائم الذوق العربي، أو انه لا يخضع لقواعد اللغة، وبعضها يدور حول ادعاءات بوجود اخطاء املائية في القرآن، أو عدم جدوي المتشابه من آيات القرآن، أو اختلاف القراءات وأثر ذلك في اختلاف التشريعات والمعاني، أو ان القرآن ليس محفوظا، أو أن فيه تناقضات وتعارضات.. الخ. كل هذه الشبهات وغيرها تناولها الدكتور داود بالتفنيد والرد العلمي الدقيق، في كتابه القيم الذي يعد ـ بحق ـ شعاع ضوء يكشف ما أثير ـ ولا يزال يثار ـ حول القرآن الكريم من شبهات وأكاذيب هو منها براء.[/COLOR]