ودّعت مواكب الحجيج المتعجلين اليوم مشعر “منى”، بعد قضاء نسكهم وإتمام أدائهم الركن الخامس من أركان الإسلام.
بينما يغادر غدًا من آثروا عدم التعجّل والبقاء لآخر لحظة على صعيد مشعر منى الطاهر، وهم يحملون أجمل الذكريات، وكلهم رجاء أن يعودوا إلى أوطانهم وقد غُفرت ذنوبهم وخطاياهم وعادوا كيوم ولدتهم أمهاتهم.
وشهدت لحظات الوداع بين الحجاج عناقًا وتبادل عناوين وعبارات توديع ودموع الفراق لصحبة جمعتهم في هذا المكان.. الحب والطاعة والقرب من الله، ملامح الفصل الأخير من أيام منى المتكررة مع كل جموع الحجيج على مر الأزمان.
كما عاشت مخيمات مشعر منى حركة دؤوبة منذ ليلة البارحة، وذلك من خلال تجهيز الحجاج للحقائب للمغادرة، ومع خروج البقايا الأخيرة من الحجاج بدأت فرق النظافة التدخل لجمع مخلفات الحجاج في موسم يعتبر من أروع مواسم الحج.
وتبادل ضيوف الرحمن في ختام النُّسك التهاني بعد إتمام الفريضة، وكلهم أمل في أن يعودوا إلى بلدانهم محمّلين بالذكريات الجميلة والحكايات الروحانية التي يشعر بها الحجاج.
منى البيضاء التي تميّزت بأفضل الممارسات الحضرية على مستوى العالم، من حيث توفير المسكن واحتضانها الخدمات الشاملة ورعاية حجاج بيت الله الحرام، وأنفقت عليها الدولة المليارات بسخاء دون مِنّة أو رياء جسّدت كل معاني البياض، بياض الوجوه التي تشعّ نورًا وإيمانًا، بياض الإحرام وبياض الخيام وبياض القلوب.
قصة وداع منى للحجاج تبقى عالقة في الذاكرة، فكل اللحظات والدقائق والأماكن والبقع في المشاعر المقدسة عاشوا فيها ذكريات وقصص جميلة وملأها الحب والسعادة عمروها بالطاعات والذكر والعبادة لله، سكبوا فيها الدموع والعبرات رغبة ورهبة بين يدي مولاهم الرحمن، يحدوهم الأمل والرجاء بقبول النسك ومغفرة الذنوب.
ومنظر مغادرة الحافلات والسيارات لمشعر منى منظر مهيب يختلج معه كل أهل منى شعور بألم الفراق وحرقة الوداع لهذه الأراضي المباركة.
وتشهد حركة جموع الحجيج المودعة لمنى اليوم موجات بشرية متحركة في ختام نسكهم برمي الجمرات، ثم التحرك صوب طرقات المسجد الحرام بانسيابية تنظِّمها سواعد مخلصة من رجال الأمن البواسل التي واصلت ساعات التنظيم تلك تحت لهيب أشعة الشمس، متمركزين في مداخل منى جنوبًا حتى مخارجها بالتقاء مكة المكرمة شمالًا لحماية ضيوف الرحمن التي أحاطت بهم الرعاية الأمنية من كل صوب، فالطائرات العمودية والرحلات الاستطلاعية لم تفتأ تواصل المراقبة الجوية من المشاعر إلى رحاب البيت العتيق، بينما ظلت كاميرات الرصد موزعة بين غرف القيادات والمراقبة تحت أنظار البواسل الدقيقة ترصد كل تحركاتهم من المشاعر إلى مكة المكرمة.
وخلت مخيمات منى من ساكنيها وقد لفها الحزن في لحظات الوداع، ولم يتبق فيها سوى بقايا ذكرياتهم التي ستُمحى من ذاكرة منى، على أمل أن تلتقي ضيوفها العام القادم، بينما جدّ العاملون بالمخيمات التابعين لمؤسسات الطوافة وشركات حجاج الداخل التحرك السريع في لِلَمْلمة كامل محتوياتها وتنظيف الخيام.
وباشرت أمانة العاصمة المقدسة -من جهتها- تكثيف فرق النظافة الميدانية، وتحريك آليات لرفع وسحب حاويات الضغط الكبيرة التي تحوي أطنانًا كبيرة من النفايات.
أعاد الله على بيته كل جموع الحجيج، وذلل لهم كل الصعاب لتحقيق مرادهم في أداء فريضة الحج.