* هناك ارتباط رفيع بين انشغال العباقرة بما تنمو فيه بصيرتهم ووصولهم فيه إلى قمة القدرة في الفكرة التي يعيشونها وبين قمة العجز عما سواها ، ولذلك يقال أن بصيرة الإنسان لا تنمو إلا في الاتجاهات التي تشغل ذهنه وتستحوذ على اهتمامه بعكس تلك التي لا تنال اهتمامه إذ يصاب إزائها بالكلل والعجز .
* وفي ذلك يذكر أن الإمام الغزالي كان يقدم إليه الطعام ويقال له : امدد يدك فيقول ولكن ليس لي يد ، فهو بفكره أصبح ذا عاهة عطلت فكرته عضواً من جسده ، بينما هو القادر على نفسه وفكره كما ورد إبداعه في سيرته وما ورد من اعتزاله للناس و وأنه عاف الدنيا وقد اجتمعت له ، وحبس نفسه في أسفل منارة الجامع الأموي بدمشق .. فهو قادر على أصعب ما في النفس من الفكر والتفكر ، عاجز في ذات الوقت عن أتفه ما في الحياة أن يمدد يده ، وهو بذلك شغل بالعلم فكره كله فلم يبق منه شيء لفهم الحياة ، فصار عند من يراه مجنوناً .
* يذكر كذلك أن الأديب الكبير عمرو بن بحر المعروف بـ ( الجاحظ ) نسي مرة كنيته وبقي يسأل عنها حتى جاءه من يخبره بذلك ، فقال له : أنت أبو عثمان ! ، فهل كان الجاحظ مجنوناً لينسى كنيته وهو عبقري الأدب ولسان العرب ؟!
* ومما يذكر أيضا أن أمبير العالم الرياضي الفرنسي كانت تعرض له المسائل في الطريق فلا يجد لها قلما وورقة فلذلك كان يحمل معه ( طباشير ) في يده ، وكلما عرضت له مسألة ورأى جداراً أسود ، وقف فخط عليه ، فرأى مرة عربة سوداء واقفة ، فجعل يكتب عليها أرقامه ورموزه واستغرق فيها حتى سارت العربة ، فجعل يعدو خلفها و ( طباشيره ) بيده وهو لا يدري ما يصنع .. فهل كان مجنوناً من إسهاماته معلومة مشهورة في الفيزياء وعلم الكهرومغانطيسية أوكما سماه هو ( الديناميكا الكهربائية ) ومن سميت وحدة قياس التيار الكهربائي باسمه ؟!
* كل هذا وغيره يؤكد أن ( البصيرة لا تنمو إلا في مجال الاهتمام ) وأن هذا ليس جنون المستشفيات والأمراض العقلية ولكنه جنون العبقرية أو جنون الخروج من الذات والانغماس في عالم أسمى وأوسع .
* وإذا أمسكنا بطرف آخر من هذا الموضوع نجد أنه كثيرا ما يُردد أن ( كل ذي عاهة جبار ) وبالتأمل في هذا نجد أن مصدر جبروته وقوته هو انتقال قوة العضو المصاب بالعاهة إلى أجزاء أخرى من جسده فالذي لا يرى يسمع أقوى ، والذي لا يسمع يرى أوضح ، والذي لا يرى ولا يسمع يفكر ويحفظ أكثر وهكذا .
* وعند شعور صاحب العاهة بذلك العجز والنقص تتولد لديه الرغبة والعنفوان والقوة ، والعبقرية بين كل ذلك في حاجة إلى هذا النقص لكي تذكي أوراها وتشعل نارها - على اختلاف في ذلك وهل النقص ضروري للعبقرية أم لا ؟ - ، إذ أن العقل لا جدار له ولو ضُيق على الجسم أو نقص منه منفعة .
*وقد سجل لنا التاريخ عن مبدعين مشاهير في العالم أصيبوا بمرض التوحد إلا أن ذلك لم يمنعهم من النبوغ في مجالاتهم منهم على سبيل المثال : مؤسس شركة ميكروسوفت العالمية بيل غيتس ، البرت انشتاين ، هتلر ، موزارات ، إسحاق نيوتن ، وغيرهم .
نقاط سريعة سجلتها على عجالة لعلي أتمكن من العودة إليها بتوسع إن شاء الله .