لقد جاء الإعلان عن جامعة الرياض للفنون الذي أعلنه صاحب السمو الأمير بدر بن عبدالله بن فرحان وزير الثقافة، كحدث مفصلي في مسيرة التنمية الثقافية بالمملكة، وخطوة غير مسبوقة تعكس حجم الرعاية والاهتمام الكبير الذي توليه القيادة الرشيدة – أيدها الله – للقطاع الثقافي، باعتباره أحد روافد الهوية الوطنية، وأحد محركات الاقتصاد الواعد ضمن رؤية المملكة 2030،فالجامعة التي ستتخذ من حي عرقة في الرياض مقراً لها، لم تأتِ كإضافة عادية إلى المشهد الأكاديمي، بل جاءت لتكون منصة متخصصة في التعليم الإبداعي، وحاضنة للمواهب الوطنية والدولية، ومركزاً يمدّ الصناعات الثقافية والفنية بالخبرات والكفاءات التي تحتاج إليها. وهي بذلك تترجم تطلعات المملكة في جعل الثقافة جزءاً لا يتجزأ من التنمية المستدامة، ومكوناً أصيلاً في تشكيل شخصية الإنسان السعودي، وتعزيز حضوره على المستوى العالمي.
رؤية طموحة ومكانة عالمية:
تطمح جامعة الرياض للفنون إلى أن تكون ضمن قائمة أفضل 50 جامعة دولية متخصصة في الفنون والثقافة على مستوى العالم، وهو طموح يعكس الرؤية الاستشرافية التي تقوم على الريادة العالمية لا الاكتفاء المحلي؛ ومن أجل ذلك وضعت الجامعة خططاً لبناء شراكات مع أعرق المؤسسات الأكاديمية والثقافية العالمية، لتصميم برامج تعليمية متقدمة، وإطلاق مشاريع بحثية مشتركة، بما يتيح للطلاب السعوديين الاطلاع على أحدث التجارب الدولية، ونقل الخبرات العالمية إلى الداخل السعودي، في انسجام تام مع مستهدفات رؤية 2030 في بناء إنسان منافس عالمياً.
بنية أكاديمية متكاملة:
تبدأ الجامعة بثلاث كليات رائدة: الموسيقى، والأفلام، والمسرح والفنون الأدائية، على أن تتوسع تدريجياً لتشمل 13 كلية تغطي جميع التخصصات الثقافية والإبداعية، من العمارة والتصميم إلى فنون الطهي والأزياء والإدارة الثقافية ودراسات التراث؛ هذه التخصصات لا تنحصر في الجوانب النظرية فحسب، بل تتسع لتشمل التدريب العملي وصقل المواهب عبر مختبرات وورش عمل تفاعلية، بما يضمن إعداد جيل متكامل المهارات قادر على تلبية احتياجات سوق العمل الإبداعي.
كما ستتيح الجامعة للطلاب خيارات واسعة من البرامج التعليمية، تبدأ بالدورات القصيرة والتأهيلية، وتمتد إلى الدبلوم، والبكالوريوس، والدبلوم العالي، والماجستير، وصولًا إلى الدكتوراه، وهو ما يوفر مساراً تعليمياً متدرجاً ومستدامًاً يضمن استمرارية التطوير الأكاديمي والثقافي للأجيال القادمة.
دعم غير محدود من القيادة:
إن ما يجعل جامعة الرياض للفنون مشروعاً وطنياً بامتياز، هو ما تحظى به من دعم غير محدود من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، وسمو ولي عهده الأمين – حفظهما الله – اللذين يضعان الاستثمار في الإنسان السعودي على رأس الأولويات؛ فالجامعة تأتي ضمن منظومة من المبادرات التي تهدف إلى تمكين الكفاءات الوطنية، وتوسيع مجالات الإبداع، وتعزيز الهوية الثقافية للمملكة في الداخل والخارج.
ويكفي أن نشير إلى أن الجامعة تستهدف تخريج ما بين 25 ألفاً و30 ألف طالب بحلول عام 2040، فضلاً عن تدريب ما يقارب 1500 معلم، وهو ما يعني أن تأثيرها لن يقتصر على الطلاب فحسب، بل سيمتد إلى المجتمع بكامله عبر تأهيل كوادر قادرة على نقل المعرفة والإبداع للأجيال القادمة.
رافعة للاقتصاد الإبداعي:
ليست الجامعة مشروعاً تعليمياً بحتاً، بل هي رافعة اقتصادية حقيقية، إذ من المتوقع أن يسهم القطاع الثقافي الذي تدعمه الجامعة بأكثر من 80 مليار ريال في الاقتصاد الوطني بحلول عام 2030، مع خلق ما يزيد على 300 ألف وظيفة جديدة خلال العقد المقبل، في ظل الطلب المتزايد على الكفاءات الثقافية المؤهلة؛ وهذا ما يجعل من الجامعة أحد المحركات الرئيسية للاقتصاد الإبداعي، الذي أصبح اليوم من أكثر القطاعات نمواً على مستوى العالم.
أثر ممتد يتجاوز الحدود:
أهمية الجامعة لا تقتصر على الداخل السعودي، بل تتجاوزه إلى المشهد العالمي، من خلال بناء جسور للتعاون الثقافي والأكاديمي، وإطلاق برامج للمنح الدراسية، واستضافة طلاب من مختلف دول العالم، بما يعزز مكانة الرياض كعاصمة عالمية للثقافة والفنون، ويمكّن المملكة من ممارسة دورها الريادي في نشر المعرفة، ودعم الحوار الثقافي الدولي.
خاتمة ورسالة للشباب:
إن تأسيس جامعة الرياض للفنون هو استثمار نوعي في الإنسان والثقافة والاقتصاد معاً، وخطوة تؤكد أن المملكة ماضية في طريقها نحو تعزيز مكانتها كقوة ناعمة مؤثرة عالمياً؛ وهي في جوهرها تجسيد لرؤية القيادة الرشيدة التي جعلت الثقافة أحد محاور التنمية الوطنية، ووضعت الإنسان السعودي في قلب هذه الرؤية، مؤهلاً وقادراً على صناعة مستقبل مشرق لوطنه، ومشاركاً في صياغة المشهد الثقافي العالمي.
ولعل الرسالة الأسمى من وراء تأسيس جامعة الرياض للفنون هي دعوة صريحة لشباب وشابات الوطن إلى الإيمان بقدراتهم ومواهبهم، والسعي لاستثمار هذه الفرصة التاريخية التي وضعتها القيادة بين أيديهم، ليكونوا هم صناع التغيير ورواد المستقبل؛ فالمستقبل الإبداعي للمملكة لن يُبنى إلا بعقولهم المبتكرة، وسواعدهم المخلصة، وإصرارهم على أن تكون المملكة في صدارة الدول في مجالات الثقافة والفنون والاقتصاد الإبداعي.

 

 

بقلم: مبارك بن عوض الدوسري
@mawdd3

أضف تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *