أطلّ علينا مجدداً الخبير الكشفي الأمين العام للمنظمة الكشفية العربية – مدير الإقليم الكشفي العربي الدكتور هاني عبد الوهاب عبد المنعم عبر برنامجه المميز (قطرة)، الذي يبثه بانتظام عبر وسائل التواصل الاجتماعي ويحظى بمتابعة وتفاعل كبيرين من الأسرة الكشفية العربية؛ وليس مستغرباً هذا التفاعل؛ فحين يتحدث الدكتور هاني، الذي يعرف كل منتمٍ للحركة الكشفية في العالم قيمته وقامته، فإن حديثه يأتي محمّلاً بالخبرة، ومؤطراً بالعمق، ومشحوناً بالإلهام.
وقد تناول في هذا الطرح مجالاً جوهرياً من مجالات الطريقة الكشفية، ألا وهو نظام التقدم والشارات، باعتباره أداة أساسية لتحفيز الشباب على النمو الشخصي واكتساب المهارات الحياتية فنظام التقدم في الكشفية ليس مجرد تقليد أو نشاط ثانوي، بل هو ركيزة تربوية تعكس جوهر فلسفة الكشفية التي تسعى إلى تمكين الفتى والشاب من النمو المتكامل: دينياً، علمياً، اجتماعياً، صحياً وبدنياً.
إن نظام الشارات في الكشفية يُستخدم كوسيلة تقديرية تشجع الكشاف على الإنجاز وتدفعه لاكتشاف مهارات جديدة؛ والجميل في هذا النظام أنه لا يقف عند حدود الاعتراف بالإنجاز، بل يتجاوز ذلك إلى بناء الدافع الداخلي لدى الفتى، ليصبح الإنجاز عادةً والتفوق سلوكاً؛ وهو ما أكده الدكتور هاني حين ربط بين الاعتراف بالتقدم وبين تعزيز ثقة الشاب بنفسه، وفتح المجال أمامه لاكتشاف تفرده وطاقاته الخاصة.
إن مفهوم التقدم الشخصي في الحركة الكشفية يقوم على أن التعلم رحلة مستمرة، تضع الفتى في مواجهة تحديات واقعية، وتساعده على النمو وفق وتيرته الخاصة وبما يتناسب مع قدراته واهتماماته؛ ويُعد هذا الجانب أحد أسرار نجاح الكشفية في جعل الشباب أكثر وعياً بأنفسهم وأكثر إدراكاً لمسؤولياتهم تجاه مجتمعهم، والجميل أن هذا النظام لم يُصمم ليخدم الكشافة وحدهم، بل يمكن أن يمتد أثره إلى الشباب خارج الكشفية أيضاً، حيث يساعدهم على تحديد أهداف حياتهم، وتطوير مهاراتهم، ليصبحوا مواطنين فاعلين وقادرين على المشاركة في خدمة مجتمعاتهم.
إن من أهم ما أشار إليه الدكتور هاني هو أن التقدم الشخصي ينبغي أن يكون مستقلاً وموجهاً ذاتياً، بينما يقتصر دور الكبار على التيسير والدعم والتشجيع؛ وهذا يعكس فلسفة الكشفية القائمة على الحرية في الاختيار والتعلم بالممارسة، بعيداً عن التلقين والإملاء. فالقائد الكشفي هنا ليس معلماً مباشراً بقدر ما هو ميسر وداعم، يفتح أمام الشاب مسارات ويمنحه الثقة لمواجهة تحدياته بنفسه.
لا شك أن الاعتراف بإنجازات الشباب أحد أكثر مكونات العملية التربوية تأثيراً؛ ففي الكشفية، لا يقف هذا الاعتراف عند القادة وحدهم، بل يمتد ليشمل الأقران من الكشافين أنفسهم، ليكون حافزاً مضاعفاً للنمو، ويزرع روح التنافس الشريف والإصرار على التقدم؛ وهنا يبرز دور الشارات التقدمية كأداة رئيسية لهذا الاعتراف، إلى جانب أدوات أخرى مثل وضع الخطط السنوية، أو تدوين التجارب في مجلة تعليمية شخصية، أو رسم مسار للتقدم الذاتي.
إن ما يقدمه الدكتور هاني عبد الوهاب عبد المنعم في برنامجه (قطرة) يستحق التوقف والتأمل، ليس من الأسرة الكشفية فحسب، بل من كل المهتمين بتربية الشباب وتمكينهم؛ فالمفاهيم التي يطرحها هي أدوات عملية يمكن تبنيها في مؤسسات تربوية واجتماعية متعددة، لما تحمله من قيم تربوية راقية تهدف إلى بناء الإنسان المتكامل، الواعي، الفاعل، والقادر على خدمة نفسه ومجتمعه.
ختاماً.. نؤكد أن الكشفية ليست مجرد أنشطة أو أوقات فراغ، بل هي مدرسة حياة تُعلم الشباب كيف يعيشون بوعي، وكيف ينمون بثبات، وكيف يخدمون بفاعلية؛ وما يطرحه الدكتور هاني في هذا السياق يعيد تذكيرنا بجوهر الكشفية ورسالتها الإنسانية والتربوية.
بقلم: مبارك بن عوض الدوسري
@mawdd3