في الخامس من أكتوبر من كل عام يحتفي العالم بيوم المعلم، وهو يومٌ لا يُعد مجرد مناسبة عابرة في الروزنامة العالمية، بل هو وقفة تأمل وتقدير لهذا الركن الأصيل الذي لا غنى عنه في بناء أي أمة لها رسالة وتاريخ وحضارة؛ لقد كنتُ، بفضل الله، معلماً في مراحل من حياتي، وأدركت عن قرب حجم الرسالة التي يحملها المعلم على عاتقه، وأهمية المكانة التي يستحقها في قلوب الناس وذاكرة الوطن.
المعلم ليس مجرد ناقل للمعرفة، بل هو حجر الزاوية في بناء العقول والضمائر، وهو الذي يزرع بذور القيم ويغرس معاني الانتماء، فيخرج أجيالاً قادرة على حمل راية الوطن والمضي به نحو المستقبل؛ وإن أي مشروع نهضوي أو خطة تنموية لا يمكن أن تكتمل أركانها دون أن يكون المعلم والمعلمة في قلبها، فهم الركيزة الأساسية والمحور الجوهري في العملية التربوية والتنموية على حد سواء.
وإذا كان التخطيط للمستقبل يتطلب رؤية بعيدة المدى، فإن أول ما يجب أن يُبنى عليه هذا التخطيط هو الاهتمام بالمعلم وتأهيله وتقديره، لأن التنمية الحقيقية تبدأ من الفصل الدراسي، ومن لحظة تواصل صادقة بين المعلم وتلميذه؛ ولقد أكدت التجارب العالمية أن الدول التي اهتمت بالمعلم ووضعت مكانته في الصدارة، كانت الأكثر تقدماً واستقراراً، والأقدر على مواجهة التحديات.
ولا يغيب عن الأذهان أن المعلمة إلى جانب المعلم، شريكة في هذه الرسالة النبيلة، فهي تبني وتغرس وتوجّه، وتسهم بدورها في صناعة أجيال قادرة على الجمع بين الأصالة والمعاصرة، بين العلم والقيم، بين الطموح والمسؤولية؛ لذا فإن تكريم المعلم لا يكتمل إلا بتكريم المعلمة، باعتبارهما معاً جناحين متكاملين في رحلة التربية والتعليم.
وفي يومهم العالمي، يحق على المجتمع أن يقف احتراماً وإجلالاً لمعلميه ومعلماته، لا بالكلمات وحدها، بل بالفعل والتقدير المستمر. إن من أقل الواجبات أن يظل المعلم موضع تقدير في السياسات التعليمية، وفي المبادرات الوطنية، وفي ثقافة المجتمع التي تعترف بفضله ومكانته؛ كما أن من واجب الأسرة والطلاب أن يترجموا هذا التقدير في تعاملهم اليومي، إدراكاً بأن نجاح الأبناء إنما يبدأ من دفء الكلمة الصادقة من معلم أو معلمة.
إننا حين نحتفي باليوم العالمي للمعلم، فإننا نحتفي بالمستقبل كله، لأن المعلم هو صانع الغد، وهو من يضيء الطريق للأجيال، ويرسم معالم النهضة، ويربي القادة والمفكرين والمبدعين؛ فليكن هذا اليوم وقفة عهد على أن يبقى المعلم والمعلمة في مكانتهم اللائقة، فهم حجر الزاوية الذي تبنى به الأمم وتُصان به رسالتها الحضارية.

 

 

 

مبارك بن عوض الدوسري
@mawdd3

المراسل

بقلم: مبارك الدوسري

أضف تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *