في خطوة تعكس نضجاً اجتماعياً ووعياً اقتصادياً متزايداً، بدأت العديد من الأسر في محافظة وادي الدواسر بإعادة النظر في طقوس حفلات الزواج، حيث اتجهت إلى إلغاء الحفلات النسائية والاكتفاء بوليمة مختصرة لأقارب العريسين، وقد لوحظ بشكل واسع خلال الإجازة الصيفية لهذا العام؛ هذا التوجه الجديد، وإن بدا غير مألوف في مجتمعات اعتادت على البذخ والمظاهر، إلا أنه يبعث برسالة صريحة مفادها: “كفى تبذيراً”.
فالواقع يفرض نفسه بقوة، في ظل الأوضاع الاقتصادية العالمية التي لا يمكن تجاهل آثارها حتى في المجتمعات المحلية؛ حفلات النساء، بتكاليفها الباهظة التي تشمل الملابس الفاخرة، والمجوهرات، ومراكز التجميل، والعشاء المختلف بطقوسه ومكوناته، والسفر ذهاباً وإياباً للحضور، أصبحت عبئاً ليس على العريس وحده، بل على الأسرة بأكملها؛ بل إن القول بأن “المرأة تدفع من مالها” لم يعد مبرراً كافياً، لأن العبء النفسي والاجتماعي لا ينحصر في الجانب المالي فقط.
ما يميز هذا التحول في وادي الدواسر أنه لم يأتِ من جهة رسمية أو حملة إعلامية، بل نشأ من داخل المجتمع نفسه، مدفوعاً بوعي الأسر وحرصها على التخفيف من الأعباء، دون أن يُفقد الزواج معناه أو فرحته؛ ففي نهاية المطاف، الزواج ليس سباقاً في من يُبهر أكثر، بل بداية حياة يُفترض أن تقوم على التفاهم والبساطة والتوازن، لا على الديون والاستعراض.
إن إلغاء حفلات النساء في الزواج، أو على الأقل ترشيدها، لا يقلل من قيمة الفرح، بل يعيده إلى معناه الحقيقي، بعيداً عن الضغط الاجتماعي والاستهلاك المظهري؛ ولعل ما فعلته أسر وادي الدواسر يكون بداية لعدوى طيبة تنتقل إلى بقية المناطق، وتفتح الباب لحوارات صادقة حول أولوياتنا، ومعنى الفرح الحقيقي.
فالعقل – كما يُقال – زينة؛ وإذا زُيّن الفرح بالعقل، كانت السعادة أصدق وأبقى.
مبارك بن عوض الدوسري
@mawdd3