تلوح في الأفق مؤشرات لقرار مرتقب من وزارة التعليم يقضي بإغلاق المراكز الكشفية، وبيوت الطلاب، والملاعب المجمعة، والأندية العلمية، وسائر منشآت الأنشطة الطلابية في إدارات التعليم بالمحافظات، في إطار خطة “التحول لدعم وتمكين المدارس”. ورغم وجاهة الأهداف المعلنة لهذا التحول، فإن قرار الإغلاق – إن تم فعلاً – يُعد من وجهة نظري خطأ استراتيجياً، بل وهدراً صريحاً للمال العام، وتهديداً صريحاً لجودة العملية التربوية الشاملة.
إن هذه المنشآت لم تُبنَ عشوائياً، بل جاءت ضمن رؤية تربوية متكاملة أرادت وزارة التعليم من خلالها خلق بيئة محفزة ومتكاملة للنشاط الطلابي، تؤمن بالتعلم خارج الصف كما داخله؛ وقد أنفقت الدولة ملايين الريالات لإنشاء هذه المرافق وتجهيزها بأحدث الإمكانات، فلماذا ننسفها الآن بسهولة؟ بل السؤال الأهم: لماذا نلغي دورها بينما العالم كله يتجه لتعزيز الأنشطة اللاصفية كجزء من بناء شخصية الطالب المتكاملة؟ فالمراكز الكشفية هي مؤسسات تربوية فريدة من نوعها، تُمكن الطلاب من ممارسة أنشطة تنموية وتطوعية ومهارية، وتحقيق أهداف تربوية ووطنية سامية، من بينها تحسين الأداء الكشفي، وتنمية الهوايات، وتأهيل القيادات، وتنظيم البرامج، والملتقيات.
هذه المراكز ليست مباني صامتة، بل منارات تصنع قادة، ومختبرات تزرع القيم؛ أما بيوت الطلاب، فهي ليست مجرد سكن طلابي، بل مؤسسات تربوية ذات بُعد حضاري وإنساني، تسهم في تعزيز العلاقة بين المعلم والطالب، وتفتح آفاقاً للتعارف بين طلاب الوطن الواحد، وتتيح لهم فرصة التعرف على تراث وطنهم وحضارته ومقدساته؛ إن إغلاق هذه البيوت هو تضييع لفرصة ترسيخ الوطنية والانتماء بطريقة عملية؛ والملاعب المجمعة صممت لتكون متنفساً للمدارس، تستوعب أنشطتها الرياضية، وتمنح الطلاب مساحة للحركة والتنافس النزيه، وهي وسيلة فعالة لتحسين الصحة الجسدية والنفسية؛ أما الأندية العلمية، فهي تربة خصبة للابتكار، ومحاضن للموهبة، ومنصات لتبني العقول الشغوفة بالتجربة والاكتشاف.
أن بعض المبررات التي تطرح تلمّح إلى أن عودة موظفي هذه المنشآت إلى المدارس هو جزء من ترشيد الموارد البشرية، لكن الواقع يُثبت أن أعدادهم لا تشكل عبئاً على المدارس، بل إن كثيراً منهم من أصحاب الكفاءة والخبرة التربوية العالية؛ وكان الأولى زيادتهم لا إقصاؤهم، لتحقق هذه المنشآت أهدافها بشكل أعمق. إننا نضع هذا النداء بين يدي صاحب القرار في وزارة التعليم، مناشدين بإعادة النظر في هذا التوجه، وعدم ترك هذه المنشآت فريسة للإغلاق أو التهميش؛ إن ما صرف عليها من ميزانيات، وما تحققه من نتائج ملموسة في بناء شخصية الطالب، يستحق أن يُصان ويُطوّر لا أن يُهدر؛ في وقت تتجه فيه السياسات التربوية العالمية نحو التوسع في الأنشطة اللاصفية وتكامل التعليم مع الترفيه والتجريب، يبدو قرار الإغلاق وكأنه يعاكس التيار؛ بل هو تراجع عن فلسفة تربوية راسخة كانت ولا تزال إحدى مكامن قوة التعليم في المملكة؛ فهل يُعقل أن يُبنى كل هذا، لنعود ونغلقه؟ وهل يُعقل أن تُهدر الملايين، فقط من أجل رؤية إدارية لم تجرب تلك المنشآت ودورها؟ كلا، فالمستقبل لا يُبنى بإغلاق الأبواب، بل بفتحها على مصراعيها أمام الطالب… علماً، وموهبة، وحياة.
مبارك بن عوض الدوسري
@mawdd3