قال إمام وخطيب المسجد النبوي الشيخ د. علي بن عبدالرحمن الحذيفي –في خطبة الجمعة-: كمال هذه الشريعة والرحمة فيها أنها تحقق وتلبي حاجات الناس كلهم بالعدل والوفاء والحق، وترتقي بجوانب الحياة إلى أعلى المستويات في كل جانب، وما يكون من نقص عند بعض المسلمين فليس من الشريعة إنما هو من الجهل بالتطبيق بقصد أو بدون قصد.
وأضاف: لم تعجز الشريعة ولن تعجز عن عن الحكم الشرعي في كل معضلة ونازلة تنزل بالأمة لأن مصادر التشريع والأحكام ثابتة لا تتغير ولا يدخلها الهوى، فالأحكام الشرعية تؤخذ من كتاب الله، فاذا لم يكن الحكم في كتاب الله أخذ الحكم من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن لم يكن في السنة فيرجع إلى الإجماع وهو اتفاق العلماء المجتهدين على حكم حادثة، ولا يحل بعد ذلك مخالفتهم، الإجماع لا يكون إلا مستندا إلى نصه فإن لم يكن إجماع فالرجوع إلى القياس الصحيح، وهو إلحاق فرع بأصل لعلة تجمع بين الأصل والفرع، وقد عمل الصحابة بالقياس الصحيح، ومن بعدهم وقد بسط القول بالقياس الصحيح، الإمام ابن القيم رحمه الله في كتابه القيم “إعلام الموقعين عن رب العالمين”، بما لم يسبق إليه، والمقصود أن الشريعة الاسلامية كاملة تامة ضمنت مصالح الناس الدينية والدنيوية وأنها مبنية على كلام الله وكلام رسول الله صلى الله عليه وسلم من تمسك بها نجا ومن تخلف عنها هلك وما أشبهها بسفينة نوح عليه الصلاة والسلام.
وقال: الإيمان بالله وكلامه والعمل به هو الفوز والفلاح وسعادة الدنيا ونعيم الآخرة، ولا يقبل الله لعبد ولا ينجو من النار أحد إلا بالإيمان بكتب الله مع أركان الإيمان، وأخبر الله في آخر سورة البقرة أن الرسل عليهم الصلاة والسلام وأتباعهم حققوا هذا الإيمان، فقال تعالى: “آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ ۚ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ ۚ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا ۖ غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ”.
وأضاف: ولا يصلح الأرض ولا يصلح المجتمع إلا كلام الله وتشريعه وإقامة كتاب الله الذي هو سبب في سعة المعاش والأرزاق، قال تعالى: “وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَكَفَّرْنَا عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأَدْخَلْنَاهُمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ، وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِم مِّن رَّبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِم ۚ مِّنْهُمْ أُمَّةٌ مُّقْتَصِدَةٌ ۖ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ سَاءَ مَا يَعْمَلُونَ”، قال المفسرون: المراد بما أنزل إليهم القرآن لأنه مهيمن على الكتاب، ومصدق لما قبله من الكتب بل الفرد في خاصته لا يصلح حاله وحياته ولا يصلح إلا بالقرآن، قال تعالى: “مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ۖ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُون، فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ”، فذكر قراءة القرآن بعد الوعد بالحياة الطيبة إشارة إلى أن تلاوة كلام الله به سبب الحياة الطيبة ونعيم الجنة بل الجنة وما فيها من النعيم الأبدي السرمدي، كتبها الله لمن آمن بكلامه، وعمل به،
وتابع: أثنى الله على عباده الذين آمنوا بكلام الله وعملوا به، وممن خصه الله بالثناء على هذا الإيمان أكرم الخلق على الله محمد صلى الله عليه وسلم بقوله تعالى: “فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ”، وهذا النبي الكريم على الله خصه عز وجل بهذه الشريعة التامة السمحة الكاملة التي وسعت الناس كلهم، وكان الفضل فيها للتقوى عند الله تعالى، ومن الله تعالى على البشرية بهذا القرآن الذي بين الله فيه الحق فيما اختلف فيه أهل الكتاب، فجاء هذا النبي الأمي عليه الصلاة والسلام بملة إبراهيم عليه الصلاة والسلام، وكمال هذه الشريعة والرحمة فيها أنها تحقق وتلبي حاجات الناس كلهم بالعدل والوفاء والحق، وترتقي بجوانب الحياة إلى أعلى المستويات في كل جانب، وما يكون من نقص عند بعض المسلمين فليس من الشريعة إنما هو من الجهل بالتطبيق بقصد أو بدون قصد.