حذّر فضيلة إمام وخطيب المسجد الحرام بمكة المكرّمة، الشيخ الدكتور سعود بن إبراهيم الشريم، من داء الأنانية وحُب الذات المُفضي إلى تقديم شهواتها ورغباتها دون اعتدادٍ بحقوق الآخرين العامّة والخاصّة.
وأشار في خطبة الجمعة التي ألقاها اليوم بالمسجد الحرام بمكة المكرّمة، إلى أن: كلمة “أنا” تبدأ بزهوٍ نفسي، ثم ينتفخ فيصبح ورماً عقلياً وخلقياً لا يُحسن صاحبه بسببه نطقاً إلا بكلمة “أنا”، ولا يباشر تعاملاً إلا بعد أن يقول: “وماذا لي أنا؟”، فيتشبّه بركب أصحاب الأنا كإبليس وفرعون والنمرود، فهو حبٌ يعمي ويصم، فلا يرى المصاب بها إلا نفسه ومصلحته فقط!
وأكّد فضيلته أن “قيمة المجتمع في أخلاقه، ولن ينجح مجتمعٌ لا يعرف أفراده إلا كلمة (أنا)، ولن يحيا مجتمعٌ لا يري فيه أفراده إلا نفسه، فالمجتمع أسرة يشترك جميع أفراده في رعاية كل ما يصلحها”.
وقال: “شريعتنا الغرّاء حضّت أشد التحضيض على رفع النفس، ومن ذلك قطع كل ما من شأنه إذكاء معنى الكِبر والغرور أو الإعجاب بالنفس الذي يُفضي إلى حب الذات والأنانية، ونبّه إلى كُره النبي – صلى الله عليه وسلم – كلمة (أنا) ليؤصل في أمته معنى التواضع واللين والنأي بالنفس عن أيِّ سبيلٍ إلى الغرور والإعجاب وحب النفس دونما أباح الله للمرء”.
وزاد فضيلته يقول: “لقد طغت الأثرة في كثير من المجتمعات، وضربت بأطنابها في الأسرة والجيران وساحات المعرفة وسوق العمل، فأفرزت الكسل في العمل التطوعي، ووأدت الشفاعة ونفع الناس، وأذكت الرشوة والغلول والابتزاز”.
وأضاف الشريم: “الأثرة تُصيب صاحبها بسعار النهم، فلا يعرف إلا قول (هات وهات)، وما آفات المجتمعات إلا مثل ذلكم”.
واستحضر فضيلة الشيخ الشريم، في هذا الصدد قول ابن القيم – رحمه الله -: “وليحذر كل الحذر من طغيان (أنا)، و(لي)، و(عندي) فإن هذه الألفاظ الثلاثة ابتُلي بها إبليس وفرعون وقارون، فأنا خير منه لإبليس، ولي ملك مصر لفرعون، وإنما أوتيته على علم عندي لقارون”.
ولفت الأذهان إلى هدي النبي – صلى الله عليه وسلم – في عدم مقابلة الأثرة بالأثرة، فيقابلوا الداء، وإنما أرشدهم إلى ما تسمو به النفس، ويتحقق به صالح الأمة والمجتمع الواحد، ومنها قوله – صلى الله عليه وسلم-: “إنكم سترون بعدي أثرة وأموراً تنكرونها. قالوا: فما تأمرنا يا رسول الله؟ قال: أدوا إليهم حقهم، وسلوا الله حقكم”.
وفي رواية: “اصبروا حتى تلقوني”.
ونبّه الشيخ الشريم إلى أن كلمة “أنا” تمدح في مقام الإصلاح، مشيراً إلى أن الإيثار صفة وخُلق قد امتدحه الله – عزّ وجلّ – بقوله: “وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ”، فربما تنازل المرء عن مصلحته لتحقيق مصلحة أعم، والتي لا يوفق لها إلا من رحم الله، وأسبغ عليه نعمه ظاهرةً وباطنة.