بعد مضي أكثر من 40 يوماً على إعلان سريان وقف إطلاق النار في الحديدة بموجب اتفاق السويد؛ لا يزال الموقف الدولي من تنصل المليشيات عن تنفيذ الاتفاق يراوح مكانه، ويحاول بلغة تصالحية منح المليشيات مساحة أكبر للتهرب من تنفيذ الاتفاق أو التحجج بأعذار واهية.
مشهد هزلي
حاولت المليشيات في البداية القفز على الخطوات المزمنة، وذهبت إلى عرض مسرحية هزيلة؛ بإعلانها تسليم موانئ الحديدة لقوات خفر السواحل التي تنتمي لها؛ بينما كان المقرر هو فتح الطرقات للسماح بتحرك القوافل الإغاثية إلى خارج الحديدة عبر طريق كليو 16.. وبرغم أن الجنرال “باتريك” حضر من أجل فتح الطرقات؛ فقد وجد نفسه يشاهد عرضاً مسرحياً بامتياز، حين كان “الكحلاني” الحوثي يسلم الميناء للمؤيد الحوثي، وكليهما من قادة الصف الأول للمليشيات في الحديدة.
استهداف “باتريك”
وبرغم التزام التحالف العربي والقوات المشتركة بوقف إطلاق النار، والانقياد للاتفاق، وتقديم الموقف الإيجابي في التعاطي مع الجهود الدولية للسلام؛ غير أن المليشيات واصلت خروقاتها للاتفاق والقرار الأممي 2451 وتجاوزت كل الخطوط الحمراء في الاستفزاز، ووصل بها الحال إلى مقاطعة اللجنة المشتركة للإشراف على تنفيذ الاتفاق؛ بل إلى الهجوم على موكب الجنرال “باتريك” بعد أن استهدفت بالقصف المكان المقرر عقد الاجتماع فيه.
حبر على ورق
ولأن المليشيات لم تلتزم بما هو مقرر ضمن الاتفاق؛ فقد انتهت الفترة الزمنية للتنفيذ دون تحقيق أي تقدم، وتم تمديد الاتفاق، ولا تزال المليشيات الحوثية لم تلتزم باتفاق ستوكهولم الذي قد يصبح مجرد حبر على ورق؛ فقد أفرغ الاتفاق بشكل قاتل بتجاوز المواعيد الزمنية لتنفيذ المرحلة الأولى والثانية المتمثلتين في انسحابهم من موانئ الحديدة والصليف ورأس عيسى، وكذلك من مدينة الحديدة، والتي شدد على الالتزام بهما قرار مجلس الأمن الدولي 2451.
موقف نهائي
ولأن المليشيات لم تكتفِ بالخروقات والانتهاكات المستمرة للاتفاق؛ ذهبت قياداتها إلى شن حملة تحريض استهدفت فريق الأمم المتحدة وبشكل خاص ضد رئيس فريق المراقبين الأممين الجنرال باتريك، وتوجيه الاتهامات الباطلة ضده، والدعوة لطرده من الحديدة، وهذا الانقلاب على الاتفاق والفريق الأممي يعتبر إعلاناً لموقف نهائي من قِبَل المليشيات بفشل اتفاق استوكهولم.
قبل فوات الأوان
وبرغم التأييد الدولي الواسع والجهد الأممي الكبير والثقل الدبلوماسي الذي ساند إعلان الاتفاق؛ فإن المليشيات تعاملت مع هذه الجهود بتعالٍ وجحود كبيرين؛ خصوصاً وأن الاتفاق كان يصب في مصلحة المليشيات، وأنقذها من هزيمة ساحقة في الحديدة؛ لذلك يجب على المجتمع الدولي اتخاذ إجراءات رادعة تضع حداً للغطرسة الحوثية والتحرك سريعاً لإنقاذ السلام في الحديدة قبل فوات الأوان.
الحسم العسكري
وفي حال فشلت الإرادة والإدارة الدولية والأممية في إنفاذ اتفاق السويد؛ فإن هذا الفشل سيمثل إعلاناً نهائياً بفشل أي تسوية سياسية أو مفاوضات مع مليشيات الانقلاب الحوثية، ويضع الحسم العسكري خياراً رئيسياً أمام التحالف والشرعية.
انضباط واستفزاز
في المقابل، أظهر التحالف العربي مرونةً كبيرة من خلال تعاطيه بانضباط مع وقف إطلاق النار؛ برغم كثرة الاستفزازات من قِبَل المليشيات الحوثية التي أكدت للعالم أنها لا تملك أي نوايا للسلام أو تجنيب اليمنيين ويلات الحرب والدمار، وأنها ليست سوى ذراع إيرانية تنفذ مشروعاً تخريبياً يستهدف أمن واستقرار المنطقة خدمةً للمشروع الفارسي.
مضاعفة الأخطار
وفي الجانب الميداني؛ فإن المليشيات استغلت الهدنة التي فرضها اتفاق السويد لتعزيز حضورها العسكري في الحديدة، وحفر الخنادق، وتفخيخ الجسور والطرقات والمؤسسات الحكومية والمباني الكبيرة؛ وهو ما يعني مضاعفة المخاطر والأضرار التي ستحصل في حال عاودت الحرب الاشتعال في المدينة.
مسؤولية أخلاقية
ويبقى المجتمع الدولي أمام مسؤولية أخلاقية بإنهاء الكارثة التي تشهدها مدينة الحديدة وتداعيات التصعيد من قِبَل المليشيات على مستوى الأعداد والتعزيز لجولات دمار جديدة في عمق تجمع سكاني يكتظ بأكثر من مليون شخص.