اختتمت فعاليات مؤتمر المعارضة القطرية “قطر في منظور الأمن والاستقرار الدولي”، الذي عقد في العاصمة البريطانية لندن على مدار يومي 14- 15 سبتمبر، وهو المؤتمر الأول حول الأزمة، بمشاركة رفيعة المستوى من الساسة والخبراء في مختلف الميادين، ومشاركة نوعية من المعارضين القطريين.
وقال خالد الهيل، المتحدث الرسمي باسم المعارضة القطرية، خلال المؤتمر: “إن من المحزن لأي قطري أبيّ أن يرى بلاده اليوم مكروهة من جيرانها وأشقائها، ومنبوذة من العالم أجمع بسبب السياسات الخرقاء التي يطبقها نظامه الحاكم، ولهذا السبب أقمنا هذا المؤتمر لنشرع في حوار بناء يستهدف إيجاد الحلول العقلانية”.
وتطرق الهيل إلى بعض مؤامرات النظام القطري “سقطات النظام امتدت لمحاولة منعنا من عقده في لندن، عاصمة الديمقراطية ودولة القانون والمؤسسات، فدفع النظام الديكتاتوري الرشاوى، وأعدّ التقارير الإعلامية المختلقة، ودفع بمنظمات طوعية وهمية لمحاولة إثناء بعض المتحدثين والحضور الكرام عن المشاركة، بل ووصل الأمر إلى حد إصدار الوعود والتهديدات”.
وأشار الهيل إلى ثوابت المعارضة القطرية قائلاً: “إن لي عظيم الشرف بالتأسيس لهذا المؤتمر، وذلك انطلاقاً من إيماني العميق بضرورة أن يكون العمل الوطني القطري مستقلاً عن أي جهة كانت، وأن يكون تعبيرًا خالصًا عن أبناء قطر، وأجندته الوحيدة هي رفعة الوطن وعزته”.
وأضاف “إن الطريق إلى التغيير الذي ينشده الشعب القطري الحر ليس مفروشا بالورود، ولكنني أمثُلُ أمامكم، قطرياً حر الرأي والكلمة، وغيري الكثير، لنمثل الصوت الذي لا يسمعه العالم؛ صوت الشعب القطري، والذي ينادي بالحرية والعيش الإنساني، ويناهضُ الدولة البوليسية القمعية بلا هوادة”.
وأكد الهيل أن هذا التجمع الفريد لهو في حقيقة الأمر تعبير عن اقتناع العديد من الجهات بضرورة التغيير في قطر من أجل مستقبل قطر، ومن أجل أمن واستقرار المنطقة العربية، بل والعالم أجمع.
وختم الهيل بالقول: “إننا نعرض عليكم الحقائق مجردة، ونطرح أمامكم البيانات والأرقام التي لا تعرف الكذب، لذا أدعوكم إلى الاستماع بعقولكم إلى ما سيُطرح اليوم، وأن تشاركوننا في استكشاف الصورة الحقيقية التي يحاول النظام القطري جاهداً تجميلها تارة، وإخفائها تارة أخرى، ومن ثم تتكامل رؤانا لنشرع في رحلة جادة للتغيير الذي يحلم ويعمل من أجله الشعب القطري العظيم”.
ناقشت محاور المؤتمر القضايا التالية:
- قطر: دعم الإسلام السياسي والجماعات الإرهابية باعتباره وسيلة للهيمنة الإقليمية، وتطرق إلى المساندة المالية والإعلامية والسياسية التي يقدمها النظام القطري لجماعات الإسلام السياسي والتنظيمات الإرهابية، وبصفة خاصة الإخوان المسلمين والنصرة وطالبان، واستخدامه لتلك الجماعات الإرهابية وسيلة لتوسعة النفوذ الإقليمي.
قال اللورد بادي آشداون، الرئيس الأسبق للحزب الليبرالي الديمقراطي، إن الجماعات المتأسلمة من أمثال حماس والإخوان المسلمين تمارس أعمال العنف لتحقيق أهداف سياسية ـ استراتيجية، وإن على العالم أجمع أن يحارب تلك الجماعات، ولذا ثمة واجب أصيل على كافة الدول أن تلقي بدلوها في هذه الحرب، وأضاف بأن السياسة القطرية تخالف بشكل صارخ هذه المنطلقات، وبصرف النظر عما تطرحه قطر من آراء مخالفة تلبس عباءة الدعوة للديمقراطية وحقوق الإنسان وغيرها من المبادئ النبيلة.
من جانبه، أشار النائب البرلماني وعضو لجنة الشؤون الخارجية السابق دانييل كافتشينسكي، إلى أن السياسة الخارجية القطرية، تدعم الجماعات الإسلامية من أمثال الإخوان المسلمين وحماس والنصرة، وأضاف بأن علاقة وثيقة تربط بين الغرب بشكل عام، وبريطانيا بشكل خاص، والدول الخليجية، والتي تعد ذات أهمية استراتيجية لبريطانيا، ولذا فإن بريطانيا حريصة كل الحرص على استقرار منطقة الخليج وأمنها، وأنها تتابع عن كثب تطورات الأزمة الحالية بين قطر ومجموعة دول الأربعة.
- العلاقة بين قطر وإيران باعتبارها مصدراً رئيساً لعدم الاستقرار الإقليمي، حيث طرح على بساط البحث العلاقة الشائكة بين قطر وإيران، وتأثيراتها السلبية على دول الجوار الخليجية، وأشار إلى أن السياسة الخارجية لكلتا الدولتين تتبنى مبادئ متماثلة في دعم النزاع الطائفي وتمويل الجماعات الإرهابية، ونوقشت قضية التعاون الاقتصادي والوجود العسكري الإيراني على الأراضي القطرية، وما أدى إليه من نفوذ طاغ للأجندة الإيرانية على السياسة الخارجية القطرية، وبما يخالف المصلحة الوطنية القطرية وتوجهات أهلها التي تحبذ التعاون مع الجيران الخليجيين والأشقاء العرب.
قال الجنرال تشك وولد إنه يوجد تغير جيوسياسي ضخم في العالم تمثل في حدوث الربيع العربي، وبأن دعم قطر للحركات الإسلامية المتطرفة أثناء تلك الفترة قد أدى إلى تغيرات جذرية في الوقت الحاضر، وأصبحت ثمة حاجة أكبر إلى الاستقرار من أجل التأقلم مع تلك التغيرات الجيوسياسية، وأن استمرار قطر في سياساتها الحالية المساندة لإيران والداعمة للإرهاب سيؤدي إلى المزيد من عزلتها على الصعيد الدولي، وأن قطر مخطئة إن هي اعتقدت أن احتضانها لقاعدة العديد لن يكون بالضرورة سبباً لعدم حدوث تغيير، حيث يمكن نقل القاعدة إلى عدد من دول الخليج، وعقب بأن الرأي العام الأميركي معاد لإيران بشدة، ولذا فإن احتمال نقل القاعدة من قطر بسبب التحالف القطري الإيراني وارد.
بدوره، قال دوف زاكايم، الوكيل الأسبق لوزارة الدفاع الأميركية، إن قطر تحاول تحقيق مكانة دولية تفوق إمكانياتها الحقيقية، ورغم أن ذلك مطمح مشروع، إلا أن التحالف مع إيران ليس السبيل الصحيح لتحقيق هيمنة إقليمية، واتفق رأيه والجنرال وولد بأنه لا يوجد ضمان باستمرار القاعدة الأميركية في قطر.
أضاف تورغوت أوغلو، السياسي التركي البارز، بإضاءة على العلاقة القطرية التركية، وربط بينها والعلاقة مع إيران من منظور سياسي وإعلامي.
وأشار خالد الهيل، إلى أن النظام القطري يحتمي بوجود القاعدة العسكرية الأميركية على الأراضي القطرية ليتمادى في سياساته الحمقاء، وقال بأن وجود الوجود العسكري التركي هو إهانة يرفضها الشعب القطري، خاصة في منظور انتصارهم الكبير ودحرهم للقوات العثمانية الغازية في مراحل تاريخية سابقة.
ختم الجنرال شلومو بروم، المتقاعد من سلاح الجو الإسرائيلي، فقال: إن التعاون الاستخباراتي مع قطر عميق وقديم، وأن البلدين يتبادلان الكثير من المعلومات عن دول المنطقة .
- تطلعات قطر للهيمنة الإقليمية باستخدام وسائل القوة الناعمة وتأجيجها للحروب بالوكالة، وأوضح ملف النظام القطري في مجال حقوق الإنسان، وتشمل العمالة الأجنبية، وملف تنظيم كأس العالم سنة 2022. كما تطرق إلى الوعود الكاذبة للنظام بالممارسة الديمقراطية وغيرها من المخالفات حتى لمنطوق الدستور القطري.
وتحدث الشيخ محمد بن حمد بن جلاب المري، شيخ قبيلة آل مرة، عن محنة أبناء قبيلته وما تعرضوا من معاملة غير إنسانية تضمنت نزع الجنسيات، والتشريد من العمل، والحرمان من التعليم والخدمات الصحية، والاعتقالات والتعذيب، وطالب مناشدا الحكومات الخليجية والعربية، والمنظمات الحقوقية الدولية بالتدخل لإنهاء هذه المأساة.
أما د. ألن مندوزا، مؤسس ومدير منظمة هنري جاكسون، فأشار إلى مسألة الحقوق في قطر تخضع للمزاج الشخصي، فهي تُمنح أو تُحجب حسب ما تراه السلطات الحاكمة، وقال إن محاولات النظام لرسم صورة جميلة عبر وسائل القوة الناعمة تصطدم مع الممارسات غير الديمقراطية التي يطبقها في الداخل.
بحسب رأي البروفيسور، توم بروكس، عميد كلية القانون بجامعة درم البريطانية، فإن حقوق الإنسان والعمال تثير مسائل قانونية في غاية التعقيد، ليس فقط على الصعيد الإنساني، وإنما في التطبيق القانوني أيضا، ورغم أن الاستغلال والإساءة إلى حقوق العمال ليس جديدًا في قطر، إلا أن مستوى العبثية وعدم الاتساق في تطبيق نظام الكفالة يفاقم الصورة ويزيد سوء، مما يجعل الخبراء ينظرون إلى المسألة باعتبارها عبودية مقنعة.
تحدث توماس ميس آرشر-ميلز، عن مسألة الملكية الدستورية، وقال إن كل تلك المتطلبات غائبة في قطر، واقتبس توماس بعض الفقرات من الدستور القطري لسنة 2003، موضحاً بأنه لم يتم تطبيق أي من البنود المتعلقة بالحريات السياسية والتمثيل البرلماني، وقال بأن السبيل الأمثل للتغيير في قطر سيأتي عبر الضغط الدولي، وقد تباين رأيه في هذا السياق مع رأي بروفسور توم بروكس.
- الجزيرة: صوت الإعلام الحر أم بوق الإرهاب؟ والآلة الإعلامية المضللة، حيث ناقش دور قناة الجزيرة وبقية الأذرع الإعلامية القطرية في تزييف الحقائق وتجميل ممارسات النظام القطري في الداخل والخارج على حد سواء، وذلك باعتبارها أهم وسائل القوة الناعمة التي يلجأ إليها.
الحوار الثنائي بين الإعلامي جون سيمبسون، والمتحدث الأستاذ محمد فهمي، مدير مكتب قناة الجزيرة الإنجليزية في القاهرة سابقاً، والذي قال فيه فهمي إن السياسة التحريرية للجزيرة تأتي من قصر الحاكم، وكان ذلك جلياً بشكل صارخ أثناء فترة الربيع العربي، حيث أشرف النظام القطري مباشرة على توجهات قناة الجزيرة بما يحقق الأجندة السياسية الخارجية للدولة، وأضاف بأن الممارسة الإعلامية تدنت في قناة الجزيرة إلى حد ابتعد بالكامل عن أخلاق المهنة وشرفها، وبأن التغطيات شكلت خطرا ليس فقط على طاقم العاملين في الجزيرة، بل وعلى عامة الشعب.
أضاف فهمي بأن السياسة الإعلامية للجزيرة قد ساهمت في نشر الأفكار الإرهابية بإتاحتها الفرصة للقيادات الإرهابية بالظهور على شاشتها، والتبشير والنشر لأفكارهم الإجرامية.
- الدائرة المفرغة: الاقتصاد، والاعتبارات الجيوسياسية، وأمن الطاقة الدولية، تطرق إلى الوضع الاقتصادي لدولة قطر والذي يستند أساسًا إلى النفط والغاز، وتأثيرات الثروة على الاستثمارات الخارجية، والتأسيس لصورة قطر في الخارج، علاوة على صياغة موقعها على الخريطة السياسية الدولية. على صعيد ذي صلة، ناقش المؤتمر مسألة أمن الطاقة النظيفة في العالم التي تعد مؤرقة لكل دول العالم بلا استثناء.
قال إيان دنكن سميث، الزعيم الأسبق لحزب المحافظين البريطاني، بأن العلاقة المتعسرة بين بريطانيا وروسيا في المرحلة الحالية قد أدت إلى المزيد من اعتماد بلاده على الغاز الطبيعي القطري، مما يدفع بريطانيا إلى المزيد من الاهتمام بالشؤون القطرية، وخاصة في هذه المرحلة التي تشهد تدهوراً في العلاقة بين قطر ومجموعة من الدول الخليجية والعربية، وأضاف بأن سياسات التدخل القطرية في الشؤون الداخلية للدول العربية تضر بمصالح بريطانيا على المدى الطويل.
بدوره، شاطر النائب البرلماني وعضو لجنة الشؤون الخارجية السابق دانييل كافتشينسكي، هذه الآراء قائلاً: إن استقرار المنطقة الخليجية متطلب أساسي لأمن واستقرار العالم.
أما النائب البرلماني البريطاني، روجر إيفنز، فتحدث عن الاستثمارات القطرية في بريطانيا، وخاصة في القطاع العقاري والبنية التحتية، وأنها ستمنح النظام القطري فرصة للتدخل في آلية صنع القرار البريطاني فيما يختص بتلك المشروعات العمرانية الضخمة، قائلاً إن العلاقة الاستثمارية بين البلدين دقيقة.
جدير بالذكر أن المؤتمر الذي اختتم أعماله ستعقبه سلسلة من الفعاليات والنشاطات المختلفة تتعلق بالأزمة الحالية في قطر، والتي تسببت فيها سياسات النظام، وكذلك بخصوص مستقبل البلاد من منظور تطلعات ورؤى أهلها.